حكومة النسور والطريق الى الحكومات البرلمانية
د. اسامة تليلان
19-01-2014 01:54 PM
"قراءة في التشكيل والتعديل الوزاري يعتمد تحليل المضمون واسلوب التشكيل"
هل شكل اسلوب تشكيل الحكومة نقلة نوعية وأرسى تقاليد جديدة في اسلوب تشكيل الحكومات وهل انسجم التشكيل مع توجهات الملك في اول حكومة يراد لها ان تكون خطوة في الطريق الى الحكومات البرلمانية.
"هذه المقالة تعتمد اسلوب تحليل مضمون التصريحات المتعلقة بتشكيل الحكومة وطريقة تشكيل الحكومة واقعيا ولا تعتمد على الافكار والانطباعات والخلاصات الشخصية".
كان من المفترض ان تشكل حكومة الدكتور عبدالله النسور تطبيقا اوليا لفكرة الحكومة البرلمانية التي اطلقها الملك عبدالله الثاني ورسم ملامحها في برنامج الاصلاح السياسي.
وكان قد تم الاخذ بمقترح الدكتور معروف البخيت الذي يقوم على مشاورة الكتل النيابية والنواب من اجل التوافق على اسم رئيس الوزراء ومن ثم يقوم رئيس الوزراء المكلف بالتشاور مع النواب والكتل لاختيار طاقم الحكومة.
وذلك كإجراء تمهيدي بحيث يتم تشكيل الحكومة من خلال التشاور مع الاغلبية النيابية بصورتها المبسطة لتكون تمرينا اوليا في الطريق الى تشكيل الحكومات البرلمانية الى ان تستكمل عناصرها الاساسية بحصول الاحزاب على مقاعد وازنة في البرلمان ونشوء كتل برلمانية مستقرة تتبادل دور الاغلبية والأقلية.
وقد حدد الملك اجراءات تفصيلية ودقيقة لتشكيل الحكومة ورد ذكرها في الاوراق الملكية النقاشية وفي بعض التصريحات التي صدرت عن جلالته، والمحطات التي ينبغي انجازها في هذا الطريق.
وفي تصريحات نشرتها صحيفة الرأي الاردنية بتاريخ 5 كانون اول 2012 اشار الملك إلى الملامح العامة لتشكيل الحكومة التي ستأتي بعد الانتخابات النيابية، ومن ضمن هذه الملامح، امكانية اختيار وزراء من القوائم الحزبية في هذه المرحلة وتحديدا من اعضاء القوائم الحزبية الذين لم يحالفهم الحظ بالنجاح بالانتخابات البرلمانية وذلك ربما لتوفير زخم للحياة الحزبية من خلال البرلمان وتعزيز مكانة الاحزاب في نظام سياسي يستعد للسير في طريق الحكومات البرلمانية.
وأكد عدم التوجه الى الجمع بين النيابة والوزارة لتعزيز مبدأ الرقابة والفصل بين السلطات في هذه المرحلة الانتقالية.
وتفويض البرلمان من اجل التوافق على اسم رئيس الوزراء لتوفير جرعة جيدة في طريق تشكيل الحكومات البرلمانية وكذلك لتحفيز البرلمان الى خوض هذه الحالة.
وفيما يلي نص التصريح "المرشحون على القوائم الوطنية يمكنهم ترتيب أدوارهم، بحيث ترد الأسماء المتوقع نجاحها في أعلى القوائم، أما الأسماء الأخرى، فتكون في حال عدم نجاحها معبرة عن الشخصيات التي تلجأ القوائم إلى اقتراحها لتمثيلها في الحكومات، خاصة وأن هناك حرصاً لمسته أيضاً من خلال جولاتي وتواصلي بضرورة عدم الجمع بين النيابة والوزارة، ولعدة أسباب منها تفادي تجارب سلبية سابقة عند الجمع بينهما، ولكن السبب الأهم يتمثل في تعزيز مبدأ الرقابة والفصل بين السلطات، خاصة التنفيذية والتشريعية، خصوصا في المرحلة الانتقالية التي تلي الانتخابات القادمة".
تكليف دولة الدكتور النسور بتشكيل الحكومة.
شهد تشكيل الحكومة الجديدة اعتماد طريقة المشاورات مع مجلس النواب كما صرح الملك وانتهت هذه المشاورات بتكليف الدكتور النسور بتشكيل الحكومة.
وفي اول تصريح له بعد اداء قسم تشكيل الحكومة ادلى بتصريحات حملت ملامح لشكل الحكومة مختلفة عما ورد في تصريحات الملك، حيث قال نريد حكومة برلمانية وليست حزبية، مؤكدا اننا نريد حكومة من قلب البرلمان واشترط فيما اذا كان سيختار اعضاء في التعديل الحكومي ان يكونوا من نواب البرلمان، وانه يمكن الجمع بين الوزارة والنيابة.
وفيما يلي تصريح النسور عقب تشكيل الحكومة بتاريخ 30 مارس 2013 " نحن نريد حكومة برلمانية ولم نتحدث عن حكومة حزبية ونريد مساهمة النواب «فإذا كان النواب ينتمون لأحزاب فهذا حقهم ولكن نحن نخاطبهم كنواب» مضيفا ان بعض الاحزاب طلبت توزير اعضاء منها غير نواب وهذا من الصعب تحقيقه وغير ممكن لان تقريبا كل الاحزاب الممثلة بمجلس النواب طالبت الشيء نفسه ونحن نريد لتجربة الحكومة النيابية وليس الوزراء الذين يسميهم النواب» واشار الى اننا نريد حكومة برلمانية من قلب البرلمان وهذه هي النقلة السياسية الكبيرة التي نريد. وان الحكومة لم تضم وزراء حزبيين بانتظار حزبيين يسميهم النواب من بينهم وهذا سيكون خلال الاشهر القادمة حيث سنرى قبل نهاية السنة نوابا ونوابا حزبيين.
ما الذي حدث بالتشكيل والتعديل الاول وكيف ترجمت كل هذه التصريحات
في التشكيل لم تضم الحكومة قبل التعديل وزراء من القوائم الحزبية التي فازت بالانتخابات التي لم يتجاوز عددها السبعة (الوسط الإسلامي الإتحاد ، التيار الوطني، الجبهة الموحدة، الرسالة..)، وأكد النسور منذ اليوم الاول لتشكيل الحكومة وقبل تقدمها لنيل ثقة المجلس ان التعديل سيكون خلال اشهر وستضم الحكومة اعضاء من مجلس النواب اي امكانية الجمع بين الوزارة والنيابة.
ورغم ان هذ التصريح جاء مغايرا لتصريح الملك الا انه قد نظر اليه كنوع من التكتيك للحصول على ثقة النواب والكتل.
وفي التعديل الجديد الذي اجري على حكومته ما الذي تم:
اولا: لم يتم توزير النواب فجاء ذلك مخالفا لتصريحاته السابقة ومنسجما مع تصريحات الملك .
ثانيا: ادخل في التعديل وزيرين من اعضاء حزب الوسط الاسلامي الدكتور هايل الدوواد وزير الاوقاف والدكتور محمد ذنيبات وزير التربية والتعليم، وبذلك خالف تصريحاته مرة ثالثة، فهما ليسا اعضاء في البرلمان حيث اشترط في تصريحاته السابقة بانه سيتم اختيار وزراء حزبيين شريطة ان يكونوا نوابا كما ان الوزيرين ليسا في قائمة الحزب التي خاضت الانتخابات.
وهنا يمكن النظر الى اختيار اعضاء من حزب الوسط الاسلامي كإتمام لما تم التوافق عليه بين الطرفين في جلسات الثقة.
وتم ادخال الدكتور خالد الكلالدة وزيراً للتنمية السياسية رغم ان قائمة تحالف اليسار الاردني لم تحظ بمقعد في البرلمان، في حين استبعد اختيار اي عضو حزبي وصل الى البرلمان في الانتخابات كما لم يتم الاختيار من بين اعضاء القوائم الحزبية للأحزاب التي حصلت على مقاعد في البرلمان.
الدكتور النسور اطلق اكثر من مسمى على الحكومة فتارة قال نريد حكومة نيابية وتارة رشيقة وتارة حكومة برلمانية وتارة قال نحن لا نريد حكومة حزبية. والواقع ان المسميات لم تحظر في تشكيل الحكومة حتى بعد التعديل بشكل واضح.
الخلاصة:
الملك بادر منذ البداية الى ارساء تقليد جديد في طريق تشكيل الحكومات البرلمانية عندما فوض البرلمان بالتوافق على تسمية رئيس الوزراء.
رغم التزام النسور بما ورد في تصريح الملك حول عدم الجمع بين الوزارة والنيابة الا ان التباين بين تصريحات النسور والخطوات العملية التي اتخذها في التشكيل والتعديل تظهر الى حد كبير عدم ثبات فكرة واضحة للإصلاح السياسي لديه او عدم اعطاء الاصلاح السياسي اولوية في برنامجه.
من جانب اخر يبدو ان عملية الاصلاح ما زالت تدور في مربع نظري وان توافق للإرادات الرئيسة داخل مؤسسات وابنية النظام السياسي ما زال غير مكتمل حول طبيعة الاصلاح السياسي وابعاده ومحتواها. وان قوى ما زالت تؤمن بتثبيت الامر الراهن والحفاظ على الطبيعة التقليدية للنظام السياسي او في اقل الاحوال التريث في احداث النقلة الثانية.
خطوات النسور في تشكيل الحكومة وفي التعديل رغم دخول عشرة وزراء جدد لم تحمل رسائل اصلاحية مهمة ومؤثرة سواء فيما يتعلق بإرساء تقاليد تشكيل الحكومات البرلمانية او على صعيد تعزيز وجود الاحزاب كركن اساسي في بنية النظام السياسي، وان الاختيار استمر بذات الطريقة الفردي.
اخيرا، هل يمكن للحكومة ان تغير مسارها باتجاه تعزيز فكرة الحكومات البرلمانية خصوصا وان هناك توقعات لتعديلها والاهم من ذلك اننا امام استحقاق قانون الانتخاب الذي يعول عليه ان يشكل الطريق نحو الحكومات البرلمانية . سؤال برسم ما تبقى من وقت؟