حدودنا الخارجية والداخلية
19-01-2014 02:51 AM
لم يكد وزير الخارجية الإيراني يغادر عمان حتى هبط رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتينياهو ضحى اليوم التالي وبين هذين البرتوكولين السياسيين تحاول «حمامة السلام الأردنية» أن تطير في فضاء مليء بالرصاص المتطاير والطائش أحيانا كثيرة ، ولكن الخشية دوما من الرصاصة التي قد تأتي من قناص يعشق سفك دم الحمام الأبيض لم يحسب له حساب ، عندها لا ينفع الحمامة نعومة ريشها البريء ، إذ عليها أن تلعب بذات الطريقة التي يحترفها صيادو الأزمات لتحمي صدرها وظهرها معا ،وهل هناك من خطر أكثر مما يجري حولنا ،فسوريا تحولت الى حرب طوائف دينية وسياسية والعراق على الطريق مجددا ، والمفاوضات غرب النهر تجري في الغرفة السوداء الغامضة .
الإيرانيون يثيرون الإعجاب بسياستهم الميكافيلية فمصلحتهم العليا فوق برتوكولات القُبل وخطوط الإحتضان للأنظمة الصديقة وتتجاوز عقدة الكراهية لأعدائهم حيثما وجدوا ،وهاهم جرّوا الولايات المتحدة و الإتحاد الأوروبي لمفاوضات ناجزة فيما يتعلق بمشروعها النووي ، فيما لم يجد قائد وحدات الباسيج حرجا في وجود الوزير ظريف في عمان ليتحدث عن «أمانيّ» لتواجد جماعته على الأراضي الأردنية الطاهرة ، ودائما بدعوى الكذبة الكبرى التي اقتاتت عليها أنظمة عربية وإسلامية وهي تحرير الأقصى ، في الوقت الذي لم يجد الأقصى وأهله سوى الأردن ليقف معهم ويقدم الدعم لموظفيه وأوقافه للصمود في وجه المحتل ، .
الإسرائيليون يتشابهون كثيرا مع الإيرانيين ، فالمصلحة العليا لا يمكن المساس بها رغم سياسة عض الأصابع والاتهامات بين أجنحة اليمين المتطرف وحمائم الدولة حول سياسات الحكومة التفاوضية أو الحدود الدنيا من التنازلات أو يهودية الدولة والعلاقة مع العرب داخل الشريط الأخضر ، فيما لا تتعطل أبدأ محركات الأمن والإستخبارات ولا تجف منابع العاطفة الجياشة بالحب لحلم الدولة الكبرى القوية الآمنة ، ولا يجد وزير دفاعهم ضيرا من مهاجمة جون كيري حليفهم الأكبر ، في قوس مظلم من العلاقات التفاوضية بين الإسرائيليين والفلسطينيين برعاية السيد الأمريكي .
ماذا عن وطننا الأردن الذي يخطب وده خصمان متنافسان من غير أمة العرب ، هل سيبقى صامتا ينتظر ما الذي ستنتج عنه الزلازل والقلاقل والمفاوضات والإتفاقات في المنطقة الملتهبة والمناطق الرمادية الأخرى ؟ أشك في ذلك ، فهناك استطلاع صامت يحيط بكل تفاصيل ما يحدث خارج حدودنا ،ولكن اليد قصيرة إذ لا يحق لنا رسميا التدخل بشؤون الآخرين ، ولكن هناك من يحاول أن يجعل الأردن ملحقا قادما لتصفياته النهائية أكان على الجبهة الفلسيطينية الإسرائيلية أو الجبهة السورية المضادة وأحلافها وخصومها العرب ، وكل النتائج ستؤثر على الأردن بشكل أو بآخر، ما يستدعي الوقوف ساعة تأمل وتفكير لنطرح السؤال : أين مصلحتنا ومع من، وضالتنا عند من ؟
هذا كله خارج الحدود الأردنية ، فماذا عن الحدود الداخلية التي يجب علي نحدد احداثياتنا في هذا الزمن العصيب ، فأنا لم أرّ في أي بلد غير الأردن،ينقسم شعبه فرقا متضادة حول قضايا تتعلق بالدول الأخرى دون أي مصلحة له بها ، فالأردنيون للأسف يؤيدون ويدعمون وينتصرون لقضايا في بلدان عربية لا تعيرنا اهتماما أصلا ، مقابل فريق يهاجم ويندد شتّاما داعيا على ذات القضية وأهلها في تلك البلدان ، فيما لم أسمع ولم أر مظاهرة أو دعوة تخرج في أي بلد تتطرق لدعم حل لآزماتنا المتلاحقة.
فيما يقابل مؤشر التراجع المعنوي في رصيدنا الوطني ، فئة من اللاعبين داخل الأردن يعملون بصمت ضد مصالحنا الوطنية ومصالح الدولة العليا ، وضد مصالح الشعب الأردني ، مدعوما من الخارج البعيد ، ليؤسس لإنشطارات غير حميدة داخل المجتمع بمبادرات لأشخاص متنفعين لا يألون جهدا لخلق الأزمات لدواعي المشاركة في حلها لقبض الثمن آجلا أو عاجلا، والخاسر دائما الوطن .
لا أتحدث عن معلومات استخبارية ، فذلك لا يهم المواطن ، بل ما يهمه أن يفهم أنه لم تعد هناك يدّ ترمي لهذا الوطن رغيفاً دون الحصول على رغيفين أو أكثر منه ، وأن يفهم معنى أن يعيش في وطنه آمنا حرّاً لا يتسلل لمنزله مريض نفسي ليوقظه ذات صباح ليقول له لقد تغير إتجاه القبلة فاسمع وأطع .
(الرأي)