أصل الحكاية أن الكيان الصهيوني منذ بدايات النشأة وهو يقيم خطته على استثمار اللحظة، من اجل تحقيق خطوة باتجاه التمكين ، والتقدم الى الأمام على صعيد البرنامج المرسوم لديهم، وبناءً على هذا الأصل؛فان القادة الصهاينة من خلال تقديرهم للموقف أن اللحظة الراهنة مناسبة لتحقيق انجاز سياسي (اسرائيلي) محترم! في ظل الفرصة المتهيأة من ضعف الموقف العربي واهتزازه التي تمكن الخصم من تسديد لكمة سياسية قوية.
مصر مشغولة بنفسها، وغارقة في مستنقع الوهن الداخلي ومعركة الطحن الذاتي، حيث تم الزج بالجيش وقوات الأمن وكل قوى الدولة في معركة تصفية الحسابات التي تمثل بالاستحواذ على السلطة وممارسة الاقصاء والتهميش والابعاد الممهنج العنيف الذي يهدف الى تهشيم قوى الاسلام السياسي واضعافها، وصياغة نظام سياسي جديد لا يسمح بظهور ديموقراطية حقيقية، مما يجعل مصر ضعيفة في تأثيرها، وغير قادرة على ممارسة دور اقليمي لعدة سنوات قادمة.
العراق تخوض حرباً أهلياً طاحنة وقودها التعصب المذهبي والتدخل الاقليمي الصارخ الذي يسير نحو تغيير وجه العراق وهويته، مما يؤكد ضعف تأثير العراق الاقليمي الذي يصل الى حد العدم، والوضع العراقي السياسي الدولي الضعيف مرشح للاستمرار أما سوريا فوضعها الاقليمي يزيد سوءاً عن وضع مصر والعراق، والأوضاع السورية لا تبشر باستقرار قريب، في ظل المعادلة التي تم الاتفاق عليها من مختلف الأطراف العالمية المؤثرة التي تقضي بتحطيم الخصمين المتصارعين في سوريا، واضعافهما عن طريق تطويل أمد الصراع المحتدم اطول فترة ممكنة،مما سيؤدي بشكل حتمي الى القضاء على شبح ما يطلق عليه (الارهاب) أولاً، واضعاف النظام وشل قدرته وخلع أنيابه ثانياً، وسوريا ليست مرشحة لاعادة بناء ذاتها خلال عدة سنوات قادمة، فضلاً عن امتلاكها القدرة على التأثير في قضايا الاقليم عدة سنوات.
واذا تم القاء نظرة سريعة على بقية الأقطار العربية فكلها تعاني من أوضاع داخلية بائسة، وتشير الى عدم الاستقرار، من لبنان الى السودان الى اليمن وليبيا، والى تونس والجزائر، ودول الخليج...
هذه الصورة الظاهرة للعيان، جعلت الكيان الصهيوني يفكر باقتناص لحظة الضعف العربي، عن طريق الاستعانة بالأصدقاء والمقربين، ومن هنا لا يمكن تفسير زيارات (كيري) ومبادراته ومشروع احياء المفاوضات ومحادثاته السريّة والعلنية، خارج هذا السياق، وخارج هذه القراءة القاتمة للمشهد السياسي الاقليمي!
(اسرائيل) تريد احراز تقدما ملحوظا على صعيد برنامج الاستيطان وبناء أكبر عدد من الوحدات الاستيطانية، والتهام أكبر قدر من الأرض الفلسطينية المحتلة في الضفة الغربية، وفي هذا المجال استطاع (كيري) أن يزيل كثيراً من العوائق أمام تسارع الاستيطان، والخطوة الثانية تتمثل بتحقيق اعتراف (بيهودية الدولة)، بعد أن تم الاعتراف بالدولة، والاعتراف بيهودية الدولة مطلوب من الدول العربية وليس من السلطة الفلسطينية فقط، وهناك جهود حثيثة في هذا السياق، والخطوة الثالثة، تتمثل بالاستيلاء على غور الاردن تحت دواعي أمنية، واكتمال عوامل الأمن «الاسرائيلي» التي يجب أن تكون في رأس أولويات أي مفاوضات قادمة، أما الخطوة الرابعة فتتمثل بتحقيق تقدم على صعيد تهويد المسجد الأقصى وهنالك تفكير بعدة سيناريوهات في هذه القضية، منها التقسيم، ومنها أخذ الجزء السفلي، ومنها الهدم!
أما قضية القضايا فتتمثل بتوطين اللاجئين، وانهاء حق العودة، واسدال الستار على مسلسل الصراع الطويل، وفي سبيل تحقيق النجاح في هذه المسائل، لابد من التضحية ببعض الأطراف، ولا بد لها من أن تدفع الثمن الأكبر، في ظل ضعفها وتفرقها وافتقارها الى أوراق القوة التي تمكنها من تحقيق مكاسب سياسية.
في ظل هذه المواجهة التي تبدو أنها تفتقر الى التوازن الاستراتيجي، الاّ أن هناك عوامل قوة لم يتم تفعيلها على الجانب العربي، أولها وأقواها هو تمسك الفلسطينيين بحقهم الثابت بأرضهم وديارهم ومقدساتهم، وهذا يقتضي وحدتهم على هذا الحق، وعدم التنازل لا بشكل ظاهري علني، ولا بشكل خفي واقعي سلوكي.
ان صمود الشعب الفلسطيني وتمسكه بحقوقه المشروعة، هو الطريق الوحيد لصناعة موقف عربي كبير ودائم للموقف الفلسطيني، وأي ضعف يعتري الموقف الفلسطيني سوف يؤدي الى ضعف عربي محتم، وهذه المسألة لها جوهر، وعرض، ودلالات ومؤشرات، ووقائع ونتائج لا يجوز الاستمرار بتغافلها والقفز عنها، كما يجب الحذر والتحذير الدائم من محاولات خدمة المخطط الصهيوني والانخراط فيه بوعي أو بدون وعي أحياناً، من خلال نقل صراع الكتلة الفلسطينية المؤثرة من ساحة الصراع مع الاحتلال، الى ساحات أخرى مجاورة بفعل ذكاء الأذكياء وغباء الأغبياء التي تمثل أكبر نقاط الضعف.
(الدستور)