العراق في القمّة السعودية-الإيرانية
جميل النمري
03-03-2007 02:00 AM
القمّة السعودية-الإيرانية هذا اليوم تكتسب رمزية هائلة بسبب التطورات الجارية. ففي الرياض نشهد لقاء قيادتي العالمين السنّي والشيعي في زمن ينذر بانقسام غير مسبوق في كل مكان يتعايش فيه المذهبان او يتجاوران. الملفات كثيرة، وقد يكون الملف النووي من بينها، لكن الاختبار الأكثر جدوى لفرص التفاهم هو الوضع في الساحتين اللبنانية والعراقية. وبالنسبة للساحة اللبنانية، بدت الفرص جيدة، وكأن تقدما قد حدث أعاقه التصلب السوري. لكن الاختبار في الساحة العراقية هو نوع مختلف؛ هنا توجد سلطة ايرانية مباشرة، وتكاد تكون ايران صاحبة الكلمة الأولى والقرار الأخير في تحديد اين يذهب العراق، الى الانقسام والتطهير الطائفي والحرب الأهلية، أم نحو التوافق الوطني والسلم والسيادة والاستقلال؟
من يسمع تصريحات ايران العلنية لا يتفاءل، لأن الإنكار التام هو الخطاب المعتمد حتى الساعة، كما لو ان ايران تعيش على بعد مليون ميل، وليس لها حرس ثوري ومخابرات في كل مسام الجسم العراقي في الوسط والجنوب. وفي هذا الصدد، يفترض ان يكون الكلام واضحا، وأن ينعكس الموقف العلني الطيب بنتائج تلمس على الارض، ومن دون ذلك لا جدوى من الحديث، ولا تفاهم على شيء بما في ذلك الملف النووي.
وهنالك مناسبة قادمة هي المؤتمر الدولي الضخم المزمع عقده في بغداد بمشاركة دول الجوار، ومنها سورية وايران، اضافة الى قوى دولية متعددة على رأسها الولايات المتحدة. والمشروع فتح الباب على تكهنات قويّة بالعودة الى مقترح بيكر-هاملتون بفتح حوار مع سورية وايران كمفتاح لاستقرار العراق، وهو ما نفته الإدارة الأميركية التي تريد بالطبع التزامات من سورية وايران تجاه العراق لكن من دون مقايضة ملفات أخرى. والحق اننا نحن ايضا لا نريد وضع رقبة العراق رهينة لمقايضات على مصالح أخرى، ومن حق الشعب العراقي ان يحصل بصورة مستقلة على ضمانات من الجميع لدعم تفاهم وعملية سياسية جديدة تستوعب كل الأطراف.
وربما يكون الحديث عن قرب نهاية حكومة المالكي الفاشلة وتولي تحالف جديد بقيادة علاّوي هو الأمل الجديد المتاح، بعد ان ثبت ان اطراف السلطة الراهنة تحت قيادة المالكي تتصرف كميليشيات طائفية فقط، تبحث عن مكاسب وتصفّي حسابات، ولا تبني دولة. ومن جانب سورية، فهي حسب الأخبار ستتحدث باسم البعث العراقي الذي اعيد احياؤه في مؤتمر في دمشق. ولا بأس ان يعود هذا التيار بحصّة في العملية السياسية، فهذا أمر ايجابي؛ لكن التيار الآخر بقيادة عزّة الدوري لا يمكن اهماله، ويجب ان يجد صوتا له في المؤتمر، كما هو الحال بالنسبة لجميع الأطراف السنيّة ما عدا القاعدة.
واذا كانت القاعدة هي العدو التكفيري الأول للشيعة، فهي كذلك للسعودية المستعدة، مع بقية الدول العربية، لمحاربتها. لكن يجب استعادة دور افضل كثيرا لجميع القوى السنّية، وايقاف التطهير الطائفي الخطير، وتحقيق تفاهم جديد على العملية السياسية.
واقع الحال ان اميركا فشلت في العراق نهائيا، والقضية الآن هي بين خيار الخروج بطريقة لائقة، ام بعملية هروب تترك العراق للحرب الاهلية الشاملة. كل التقارير، وكذلك تصريحات المسؤولين الأكثر تحررا، تعترف بواقع الحال. وامس، وفق ما نقل عن تقرير اعده كبار مستشاري القائد الأميركي في العراق (عقول بغداد الموثوقة كما اطلق عليها)، فإن الوضع يتدهور بصورة خطرة، وقد تواجه الولايات المتحدة خيار الانسحاب بشكل مخز. ويرى التقرير ان امام القوات الاميركية 6 أشهر فقط لتعيد النظام قبل ان تلجأ الى الخطّة "بي 2" التي تنص على انسحاب سريع، يترك البلد المقسم لمصيره!
وحسب تصريحات المنسق الأميركي لإعمار العراق، تيموثي كارني، فالأمور تغيرت، وفي حزيران 2003 -حسبما قال- كان يمكنك التمشي والذهاب الى المطعم، وأعود الآن وأرى الوضع مخيفا. وقال ان عبارات مثل "قاصرة وحمقاء ومريبة" هي ألطف ما يمكن به وصف السياسة التي اعتمدت في العراق.
هذا هو وضع الولايات المتحدة الآن، والقضيّة الى درجة كبيرة ان لا تكون السياسة الإيرانية هي الأخرى قاصرة وحمقاء ومريبة.
jamil.nimri@alghad.jo