تبادل السكان فكرة مدوية غير قابلة للتنفيذ
18-01-2014 11:06 AM
عمون - "هآرتس"،حلمي موسى
صرخ أفيغدور ليبرمان بأعلى صوته في الأسبوع الأخير بأنه لن يقبل أي تسوية مع الفلسطينيين لا تتضمن تبادلا سكانيا لسكان المثلث ووادي عارة العرب مقابل سكان الكتل الاستيطانية اليهود في الضفة الغربية. وحتى لا يبدو أنه يطالب بتنفيذ ترانسفير وطرد سكاني، وهي جريمة بموجب القانون الدولي، شدد على أنه ينادي بتبادل أراض وسكان معا. ورغم أن الاقتراح مدو إلا ان الأمر لم يثر الكثير من ردود الفعل. فلم تخرج ردود الفعل في إسرائيل، يسارا ويمينا، عن المعهود إزاء كل تصريح سياسي، كما أن الفلسطينيين في مناط الـق 48 لم يبد عليهم القلق ولم يشعروا بأن مصيرهم بات معلقا. فالسمة الغالبة على ردود الفعل كانت أن تصريحات ليبرمان إعلامية ولا دخل كبيرا لها في السياسة وأن الفكرة في أساسها غير قابلة للتنفيذ لألف سبب وسبب.
وفي البدء لاحظ كثيرون أن ليبرمان نفخ هذا البالون مرارا على الأقل منذ عشر سنوات ومن دون أن يترك أثرا فعليا سوى أنه أفاده في حملته لإثارة الغرائز ضد العرب في أوساط اليمين اليهودي. وكان العداء للعرب، سواء بالعموم أو تخصيص أعضاء الكنيست العرب، السرج الذي يرتاح لوضعه على ظهر حصانه الانتخابي كلما لاح في الأفق بريق انتخابات. فهذه هي الطريق الأسهل لركوب موجة الكراهية التي استفحلت في الشارع الإسرائيلي وسمحت لمهووسين مثله بأن ينتقلوا خلال سنوات قليلة من الهامش إلى مركز القرار. ومن الجائز أنه بعد تجربة مجزية اعتاد أن يتصرف وفق هذه الصيغة السحرية التي تفتح له حتى الأبواب الموصدة في نفوس الإسرائيليين خصوصا أنه يتطلع لرئاسة الحكومة.
صحيح أن هناك من اعتبر تشديد ليبرمان الجديد على الفكرة تأكيدا على حياتها وعلى جدواها، لكن هؤلاء قلة رأوا فيها غالبا نوعا من الاعتراض على جهود وزير الخارجية الأميركي جون كيري الذي يصر على التوصل لاتفاق إطار يسهل تحقيق حل نهائي. وفي نظر هؤلاء كانت نوعا من الهروب إلى الأمام بحيث تخرج حكومة نتنياهو عن حالة الجمود التي تعيشها على صعيد طرح الأفكار وتدفع السلطة الفلسطينية إلى التعجيل برفض صيغة كيري. ومع ذلك كان هناك من اعتقد أن طرح ليبرمان ينطلق أساسا من ميله للتوافق مع طروحات كيري وليس من عمله ضدها وفي الأساس استشعار بخطر قول لا لخطة كيري. وهذا يشكل إلى حد كبير تطورا في أداء الرجل الذي كان ينادي بالتخلي عن التحالف مع أميركا والبحث عن حلفاء جدد إلى المناداة بالتوافق معها.
وأيا يكن الحال من المؤكد أن إعادة طرح الموضوع من جانب ليبرمان بهذه القوة ينطوي على بعد انتخابي لا يمكن الاستهانة به خصوصا بعد تعثر خطوات الاندماج مع الليكود نتيجة استشعار الكثير من قادة الليكود بالخوف من سطوته. وكان ملحوظا على وجه الخصوص ذلك الرفض الذي أبداه الرجل الثاني في الليكود وزير الداخلية، جدعون ساعر لخطة ليبرمان. وبديهي أن يكون الرفض واسعا لهذه الخطة التي تتعارض على حد سواء مع التيار اليميني الذي يرفض أساسا كل تسوية تقوم على تقسيم "أرض إسرائيل"، ومع التيار اليساري الذي يرفض الخطة لأنها تعقد التسوية من جهة وتضر بطابع إسرائيل الديمقراطي من جهة أخرى.
ويتعامل الكثيرون في إسرائيل مع خطة ليبرمان بوصفها تعبيرا عن المفارقات التي تعيشها قيادة الدولة العبرية خصوصا بين رغبتها في الحفاظ على أغلبية يهودية من ناحية وعلى كل أرض فلسطين أو أغلبها من ناحية أخرى. وربما لهذا السبب، ورغم رفض فلسطينيي الـ 48 أي مقارنة بينهم وبين المستوطنين في الضفة الغربية، يرفض المستوطنون أيضا خطة ليبرمان. فالمستوطنون اندفعوا نحو الضفة الغربية لترسيخ الرفض لفكرة الدولة الفلسطينية في مناطق الـ 67 فإذا بهذه الفكرة تدفع شخصا مثل ليبرمان للتخلي عن جزء من أراضي الـ 48. وقال رئيس "لجنة مستوطني السامرة"، بني كاتسوفر ان "وجود مشكلة لإسرائيل مع العرب أمر صحيح، لكن ليس من حق أي دولة المتاجرة بأرض الوطن، وفي هذا السياق أنا أتحدث عن يهودا والسامرة وأيضا عن المثلث". وأضاف: "على الصعيد القيمي هذا جنون وعلى الصعيد العملي أتمنى أن تكون هذه لعبة".
عموما يعتقد الكثير من خبراء القانون، أنه بعيدا عن التبريرات السياسية مع أو ضد، تخالف فكرة ليبرمان ليس فقط القانون الدولي والإنساني وإنما أيضا القانون الإسرائيلي. فالمثلث ووادي عارة، وهما المنطقتان اللتان يطالب ليبرمان بمقايضتهما، ضما لإسرائيل بموجب اتفاقية الهدنة عام 1949 وبشروط. وفضلا عن ذلك فإن اعتراف الأمم المتحدة بإسرائيل كان أيضا مشروطا بحقوق المواطنين العرب التي اضطر الى إعلان "استقلال" الدولة العبرية عام 1948 للاعتراف بها. وقد أشار الدكتور إيلان سبان من كلية الحقوق في جامعة حيفا إلى أن "خطوة قسرية لمصادرة المواطنة أو تقليصها لدرجة إفراغها من مضمونها، لا تستقيم مع القانون الأساس: كرامة الإنسان وحريته".
وأكد المحامي جلعاد شير الذي خدم كمدير لديوان إيهود باراك عندما كان رئيسا للحكومة أنه "من ناحية قضائية ولناحية أثر ذلك في حقوق المواطن للأقلية العربية في إسرائيل، أخشى أن هذه فكرة مدوية ولا يمكن تطبيقها. ويوهم نفسه من يعتقد أن بالوسع وضع سكان أمام واقع انتقال خط حدودي من الشرق إلى الغرب. هذا مساس بسلسلة قوانين أساس دستورية وتقديري أن أمرا كهذا لا يمر في محكمة العدل العليا".