منذ مراحل مبكرة من عمر الأزمة السورية، شكلت مواقف وأنشطة السفير السوري في عمان موضوعا خلافيا وسط المجتمع الأردني، المنقسم أصلا حول الموقف من الأزمة وأطرافها. ووصل هذا الخلاف أحيانا إلى بعض مؤسسات الدولة، بين وجهتي نظر: الأولى، ترى أن السفير يتجاوز الأعراف الدبلوماسية، ويدير معركة نظامه، إعلاميا ودبلوماسيا، من عمان؛ لا بل يتجاوز ذلك إلى التدخل في الشؤون الداخلية الأردنية، ويستخدم لغة شرسة وقاسية في معركته ضد خصوم النظام السوري، سواء من نخب ومجتمع مدني أو حتى مؤسسات الدولة الأردنية، وفي مقدمتها البرلمان الأردني.
أما وجهة النظر الثانية، فترى أن السفير لا يمارس أكثر من دوره الطبيعي في الدفاع عن نظام الحكم الذي يمثله، وسط ظروف صعبة، وأزمة اقتتال داخلي، وتحريض إقليمي ودولي تتعرض له بلاده. وهناك أمثلة عديدة على أنشطة سفراء في حالات مشابهة خلال العقود الثلاثة الماضية، تتجاوز ما يقوم به السفير السوري.
الدائرة الثالثة، ربما هي الأوسع، تتشكل من تيار عريض ممن يرون أن انقسام النخب الأردنية السابق لا يعدو كونه أكثر من انقسام أيديولوجي صرف، وليس سياسيا، ولا يحسب مصالح الشعب السوري بشكل دقيق، ولا ثمن القمع الذي يواجهه من جهة، وثمن الاستقرار الذي يضحي به من جهة أخرى.
وبالتالي، يرى هؤلاء أن الانقسام السابق لا يقدر بشكل واقعي المصالح الأردنية، والقلق من رائحة الدم والدخان التي أخذت تتسلل بقوة من الحدود الشمالية.
المعركة حول السفير السوري في عمان، تعكس بوضوح حالة الغموض السياسي الأردني الرسمي، وصيغة المشي على حد السيف التي اتبعتها المؤسسات السيادية الأردنية في التعامل مع الفاعلين في الأزمة السورية؛ سواء أطراف الصراع من السوريين أنفسهم، أو الأطراف الإقليمية والدولية.
كما تعكس هذه الدراما السياسية المزعجة صراعا آخر، هو الصراع على اتجاهات الدبلوماسية الشعبية الأردنية ومواقفها، ولعل هنا مربط الفرس.
هناك إدراك عميق بأن هذه المعارك لن تؤثر على صيغة تفاهمات الحد الأدنى التي صاغها الأردن الرسمي مع النظام السوري، ومنها بعض الترتيبات الأمنية التي يديرها السفير من مكتبه؛ كما لا تؤثر على صيغة التفاهمات القائمة مع بعض التنظيمات المعارضة، السياسية والعسكرية.
ويبدو أن ثمة تفهما إقليميا ودوليا لهذه الصيغة الأردنية، بات واضحا في سلوك الكثير من الأطراف التي أخذت تستجيب أكثر من السابق للصيغة الأردنية التي بنيت على مقاربة مبكرة لفهم طبيعة النظام في دمشق وحدود إمكاناته، ولطبيعة المعارضة وحدود إمكاناتها أيضاً.
في ضوء ذلك، علينا الالتفات إلى أن المعركة مع السفير السوري وحوله، هي معركة على الرأي العام الأردني، وصراع على من يظهر أكثر سيطرة على الدبلوماسية الشعبية، بعدما تحولت الساحة الأردنية، إعلاميا وشعبيا، إلى امتداد للساحة السورية.
وأن لا ننتظر قيام الأردن باستدارة حادة تصل إلى مستوى طرد السفير أو الإعلان أنه شخص غير مرغوب فيه؛ كما لا نتوقع أن يلجأ السفير إلى الصمت والصوم عن الكلام المحرم والمباح.
(الغد)