قمت بالتصويت ضد قانون الموازنة العامة، لأنني لست مقتنعا بأن يكون إنفاقنا 8 مليارات دينار وإيراداتنا 5 مليارات وثلاثة أرباع المليار دينار، أي بعجز مليارين وربع المليار دينار.
لن تمطر علينا ذهبا لسد العجز. المساعدات سوف تسد مليارا، ويبقى مليار وربع المليار دينار تضاف على الدين الذي يصل إلى 22 مليار دينار.
والدين ليس التزاما مؤجلا؛ فكل زيادة عليه تقابلها زيادة الكلفة السنوية على الخزينة، وتبلغ كلفة خدمة الدين هذا العام مليار دينار.
صحيح أن هذا واقع موروث ولا يمكن تغييره مرة واحدة.
وفي التفاصيل، كنت قد صوّت لصالح الأغلبية الساحقة من بنود الموازنة؛ فهي نفقات جارية أغلبها رواتب، ولا يمكن تخفيضها. إذ الناس تريد زيادة الرواتب وزيادة الوظائف. والحقيقة أنه كان هناك تقشف وحرص واضح في موازنة العام 2013، ودافع الرئيس بصورة قوية عن إنجازات العام الماضي. لكن ثمة مساحات ذات استقلالية لا نجزم بحقيقة الأمور فيها، مثل منطقة العقبة الخاصة، وشركة تطوير العقبة، وبعض المؤسسات المستقلة.
تعاني الموازنة العامة من تشوه عميق. فالأساس أن ننفق بقدر ما نكسب، وعلى الأقل أن تتساوى الإيرادات مع النفقات الجارية. وليس سيئاً الاقتراض للنفقات الرأسمالية، لأنه يدعم التنمية والتوسع الاقتصادي، ويعاد تسديده. لكن أن نقترض بالمليارات لتسديد النفقات الجارية ودعم الاستهلاك، فإن النتيجة هي ما نراه اليوم.
الناس تضع الحق على الفساد، وهذا صحيح جزئيا فقط. فمن العشرين مليار دينار من الديون، لنقل إن مليارين أو ثلاثة مليارات دينار سببها الفساد المالي والإداري. لكن الباقي سببه السياسات الاقتصادية-الاجتماعية الخاطئة، والفشل في بناء مجتمع أكثر إنتاجية والتزاما، ومؤسسات أكثر كفاءة وفعالية.
لقد تقدمنا في كتلة التجمع الديمقراطي بكلمة موحدة، قدمت رؤية سياسية اقتصادية نقدية. وسوف أشير إلى بند واحد، وهو المتعلق بالضرائب. فمع أن لدينا نسبة ضريبة على المبيعات هي من أعلى النسب في العالم، إلا أن مجموع الإيرادات الضريبية يبقى منخفضاً بسبب التهرب الضريبي، وتدني تحصيل ضريبة الدخل الذي هو من أدنى النسب في العالم! التحصيل من ضريبة المبيعات والمعاملات التجارية يبلغ أكثر من أربعة أضعاف التحصيل من ضريبة الدخل (مليارين و180 مليون دينار مقابل 765 مليون دينار). وهذا تشوه خطير، تم تكريسه على مدار سنوات من زيادة الاعتماد على ضريبة المبيعات، وتقليل الاعتماد على ضريبة الدخل، ما زاد غلاء المعيشة وفاقم الهوة الاجتماعية والفوارق الطبقية.
والأفراد من أصحاب الدخول العالية، من المهنيين والتجار وأصحاب المصالح التجارية والخدمية وغيرها، يتهربون من الضريبة بصورة منتظمة. فحصتهم تبلغ 70 مليون دينار، مقابل أكثر من مائة مليون دينار من الموظفين. والباقي الذي يقارب نصف مليار دينار، يأتي من الشركات المساهمة الكبرى. والثقافة السائدة عند الأفراد هي التهرب من الدفع. وأنا على ثقة أن الـ70 مليون دينار يمكن أن تصل إلى 700 مليون دينار من دون تهرب. وهناك تقديرات لحجم التهرب الضريبي في الأردن تصل إلى مليار ونصف المليار دينار.
نحن نحتاج إلى قانون ضريبة يعتمد التصاعدية ويشدد الرقابة، ويعتمد الإعفاء على الدخول من النفقات الموثقة؛ ولهذا حديث آخر. لكن موازنة العام 2014 لا تقدم تغييرا في نسب الأرقام، وكأنها تقول أن لا جديد على قانون ضريبة الدخل القادم.
(الغد)