بمناسبة مرور عام على وفاة والدي رحمة الله ...
أخبرتنا كثيرا عن فن الأبداع في كتابة شيفرات اللاسلكي في الجيش , وأنت الخبير بها وكيف لا يستطيع سوى المتمكن أن يفهمها ....طوال سنين زادت عن الأربعين ....كانت أمي ضابط الشيفرة الخاصة بك ...تحاكيها بعينيك الامعتين ...لتفهمك وتعرف مقصدك ... دون الحاجة الى الكلام .لكنك يا صاحب العقل النير ...كنت بارعا جدا في اخفاء اشارات الكارثة عنها ...حبك لها وخوفك عليها جعلك تدفن عميقا ..وعدا قطعته لوالدك قبل ثلاثين سنه بأن تلحق به في نفس التاريخ ......وصدقت الوعد ....ذهبت في لمحة بصر .....أغمضت عيونك المليئة بالحنان .....لم تودعنا...ولم تخبرنا ...عن قدوم ذلك الفجر الأسود ...الأربعاء المشؤوم الذي لم تشرق فيه الشمس .....وكيف لها أن تفعل وانت تسبقها في كل صباح ...

الموت ....ذلك الوحش الكاسر ...هل حقا أطفىء لمعة عيونك الغالية؟؟؟ ...هل حقا أسكت العنفوان الثائر في دمك الساخن ؟؟؟....هل حقا فعل ؟؟؟أم نحن في كابوس فظيع ومرعب ؟؟؟...

علمتنا منذ الصغر أن الخط المستقيم هو أقصر الطرق الى الهدف ....وأن الطرق الملتوية توصل فقط الى الهاوية ... وها أنت كرمح انطلقت الى السماء ..... كعادتك لم تكن يوما متأخرا ....و لم تخلف يوما الموعد ,,,اخترت كانون الثاني حتى يشارك الشتاء بأربعينه... أربعينك ...!!

سكين فراقك أيها الحنون قطعت قلوبنا ..أبناء وأشقاء ,أقرباء وغرباء ...كلنا تلقينا الضربة ...وكانت الفاجعه أكبر من أن تحتمل ,,,,,كلنا يقين أن الفراق لم يكن خيارك...وأنك لم تكن لتخلف وعدك لأمي بأنك لن تطيل الغياب ....ولكن سيف القدر أقطع من كل ارادة البشر ..

أبي الحبيب ....ما زالت رائحتك حولنا وما زال صدى ضحكاتك الرنانه يسمع في أرجاء البيت ....سهامك الخمسة التي غرستها في خاصرة الزمن كل واحد منها يخبر عنك كل يوم ...ريحاناتك الخمسة تنشر عبيرها في كل مكان, يحمل عبق خاص من شذاك ....رفيقتك... أمي منكسرة الفؤاد مكلومة الجرح .. تحاول البحث عنك في كل مكان ...عباءتها أنت وتاج رأسها الذي تباهت به طويلا .. يا من كللتها بالمجد والكرامه ... أكاد أسمعك اليوم تهمس في أذنها ..قومي انهضي وشدي حبال خيمتنا التي بنيناها معا ...لا أحب نظرة الضعف والخنوع على محياك...جديلتك الطويلة التي سرحتها بيدي ما زالت تسحرني ...لآ أطيق ثوبك الأسود الذي تلبسين .....فقد اعتدت شراء الأثواب المطرزة لك ...تأكدي أيتها الحبيبة أنني لم أنوي فراقك يوما ...ولكن وحده القدر أبعدني عنك...أعلم أنك حزينة وأعلم أنني وصلت معك منتصف الطريق فقط ...أيتها الحبيبة أني وأن غاب جسدي , فأن روحي ترقبك في كل لحظة ...أرجوك أكميليها ...

والدي الحبيب .... ,عاد الشتاء وعاد الثلج ....ولم تعد أنت .. عام مضى على اليوم المشؤوم الذي فقدناك فيه ... نعلم أنك لن تعود .. أيها الأثيل ..فلوعتنا على فراقك لا توصف بالكلمات ...لكن كن متأكدا أنك سكنت قلوبنا وقلوب من أحبوك الى الأبد ..أستودعك عند من لا يضيع عنده وديعه ....رحمة ونور على روحك الطاهرة أطلب ,,,وأصلي للعلي القدير أن يصبر أمي ويصبرنا على فراقك ....ستبقى خالدا الى الأبد ....ولن أرثيك... فلا رثاء للخالدين ...