‘وراقون’: أول دار نشر دولية في مدينة البصرة
14-01-2014 01:41 PM
عمون - انطلقت في مدينة البصرة دار نشر جديدة تأمل أن تكون رائدة في مجال دور النشر العراقية والعربية باسم (وراقون)، ورافق حفل انطلاقها توقيع أول كتاب لها للقاص والروائي لؤي حمزة عباس (الكتابة… إنقاذ اللغة من الغرق).
الحفل الذي أقيم في قصر الثقافة والفنون وسط مدينة البصرة (550 كم جنوب بغداد)، افتتحه مؤسس الدار الروائي علي عباس خفيف، متسائلاً:
هل نطمح أن تكون البصرة مدينة أدب؟ هناك 29 مدينة إبداع من بينها خمس مدن أدب’ ضمن شبكة اليونسكو للمدن المبدعة في مجالات الإبداع كلها، وأضاف خفيف أن هناك متطلبات لمدن الإبداع في دليل اليونسكو لهذا التصنيف، ومن ضمن التفاصيل التي يتم من خلالها اختيار أية مدينة: تخطيط المدينة، التعدد الثقافي، نمط الحياة، استراتيجية التخطيط الحضري، الحقائق التاريخية، البنية التحتية الثقافية، متاحف، معارض، مسارح، ومراكز ثقافية (دور نشر وغيرها). وقد وضع مؤسسو الدار هذه التحديات أمامهم من أجل البدء بتأسيس ثقافة جديدة بعد الخراب والاهمال الذي لحق بمدينتهم.
وأضاف خفيف: في جلسة ماضية أشار الأساتذة محمد خضير وسلمان كاصد وخالد خضير وآخرون إلى أن البصرة مدينة تكاد تموت، وأن بالإمكان زرقها بمصل الحياة فاقترحوا مدينة ثقافية ومعارض كتاب دائمة ونشاطات تدفع لها وزارة الثقافة دفعاً، فنحن مع هذا الزخم من الفرح من الأمل بالحياة.
من المنطلق جاء طموح (وراقون) في غرس بذرة أولى يشترك فيها جمع من المثقفين، لذا جاءت تحت شعار ‘وراقون: بيتها البصرة وحديقتها العالم’، فهي دار نشر مغامرة، شجاعتها أنها تشق في الحياة درباً، وآمالها أن تزرع الزهور في كل الضفاف، بحسب خفيف، حواضنها نصوص الإبداع الفذة، ‘لنخطو بهذا الاتجاه، والنجاح معقود بالتجربة والاختيار، ثم نحتكم للزمن، لنبذر في التربة ما باستطاعتنا ونحتكم للزمن، لنطمح في بصرة أدب، بصرة إبداع ونحتم للزمن، ليكن معيارنا الإخلاص لرعاية مدينة حياتنا ونحتكم للزمن لنترجم آمالنا عملاً أيها الاصدقاء….’.
من جانب آخر وقعت الدار كتابها الأول (الكتابة.. إنقاذ اللغة من الغرق) للقاص والروائي والباحث الدكتور لؤي حمزة عباس، الذي تحدث قائلاً إن السؤال يبدو في علة الكتابة أصعب من الكتابة نفسها، أكثر صمتاً وأشد تعقيداً، فالكتابة تجيب عن نفسها بنفسها وهي تطور بحثها الدؤوب مع كل مشروع يقترح المضي خطوة أخرى على الطريق، يطلق تلويحة ويضيء فكرة تشير أبداً لفكرة الحياة وهي تتخلل وقائعها وتحتفي بتفاصيلها’.
وبيَّن عباس أن الكتابة لن تبتعد عن الحياة، ولن تغدو واحدة من مراياها، إنها الحياة، وقد أعيد انتاجهاعلى الورق مشفوعة بالكثير من الرؤى والهواجس والأحلام لتعدل من طبيعة الحياة نفسها وهي تشهد تحولاتها الغريبة. إنها تفتح مع كل كتابة البوابة نفسها لكنها تطل كل مرة على عالم مختلف. ثمة، دائماً، ما يتجدد لحظة الكتابة، يمحى ويكتب في الآن نفسه، تغيب تفاصيل وتحضر تفاصيل جديدة لم تكن من قبل. في الكتابة يمكن لنا أن نحيا مرات متعددة في نهاية كل منها نموت لنولد من جديد. مشيراً إلى أن النسيان لن يكون في الكتابة مقابلاً ضدياً لأفعال التذكر وهي تستدعي تجاربنا، تناديها كما لو كانت ترقد في قاع بئر في محاولة لالتقاط أشلائها.
ومن المثير أن لؤي حمزة عباس يربط الكتابة بالحروب التي خاضها، ‘لن يفكر بإنقاذ اللغة غير جندي عاش حروب الإنسان جميعها وخبر في كل حرب منها معنى أن يموت.
الحرب التي عاشها الكاتب قبل ثلاثين عاما ما زالت تتراءى في هواجسه بين أفعال التذكر والنسيان. إنها تشيد مكانها في ما يتكرر حولنا، ما يكبلنا ويتسلل إلى أعماقنا، وهي في الوقت نفسه تهدمه وتمحوه، إنه بلد النسيان الذي تبدأ عنده كل كتابة وتنتهي’.
من جانبه تحدّث الكاتب المعروف’محمد خضير عن لؤي حمزة عباس ومشروعه الكتابي، واصفاً إياه بجندي الكتابة، الجندي الذي يواصل حرباً طويلة في ميدان صعب حيث تواجهنا فيه ضروب النسيان، علينا مع كل كتابة أن نثبت صلاحية ما نكتب دائماً، لأن الكتابة إذا لم تثبت صلاحيتها ستكون عندئذ، كما يقول لؤي، كتابة نسيان. المسألة لا تتعلّق بالنوع الأدبي الذي يحدد فيه الكاتب مجال رؤيته وحقل عمله، الفيصل في ذلك هو الجدة التي يُنجز بها الكاتب عمله، فليس ثمة داع لكتابة كتب متشابهة، التنوع هو المطلوب في سبيل تجديد مشاريعنا الكتابية وتوسيع مجالات عملنا، وكتاب (الكتابة) يطرح مثل هذه الاشكالية بقوة، ففي كتابة الشذرات التي يعتمدها يمكن أن تتجدد نظم الكتابة ويتنوع التأليف. المطلوب هو صناعة كتب مختلفة لا عبر النوع الأدبي فحسب، بل من خلال حضور النوع الذي يوفر شرط الاختلاف، حياتنا هي حياة تنوع واختلاف، وليست ثمة طريقة واحدة للكتابة والحياة. الكتابة في أصلها تنوع وتجدد واختلاف.
أما الناقد جميل الشبيبي فاكد أن الثقافة العراقية هي ثقافة متصلة، غير منقطعة، تسعى إلى التجدد دائماً، ومدينة البصرة هي صورة للتجدد، المدينة التي تنتج أدباً كبيراً لكنها- بكل أسف- تعيش على الأنقاض، إن فكرة بناء مدينة جديدة هي فكرة عظيمة يمكن أن تتجسد عبر مشاريع الفكر والثقافة والابداع، وهي فكرة أكثر من ضرورية. كما إن فكرة النسيان التي يعتمدها لؤي عتبة في كتابه الجديد هي فكرة مولّدة تثير لدينا معنيين متناقضين: أن ننسى ما حدث، وأن نعمل على بناء عالم جديد. النسيان يحيلنا إلى ضرورة التواصل ويدفعنا لمواجهة أنفسنا والانشغال بمعطيات الكتابة وهي تعلن طموحها في انقاذ اللغة من الغرق.
وتحدث الشاعر هيثم عيسى’خلال ورقة له حول كتاب الكتابة قائلاً إن العنوان يبدو كما لو أنه يعلن عن حضوره في كل صفحة من صفحات الكتاب، كل شذرة تنشغل به وينشغل بها حتى زعمت أننا بإزاء ضرب من القراءة، تلك القراءة التي تحدث دفقة واحدة عبر العنوان.
ما أن يشرع الكتاب بمقدمة عن شعب النسيان، كتابة النسيان وبلد النسيان، أولئك الذين يتهددهم المحو كل حين، يمكننا رؤية جندي يستلقي على الرمال بثيابه الكاملة، عيناه مفتوحتان، خوذته مائلة قليلاً، وقد التف حزامها على الرقبة، كأنه يواصل الإنصات لنفير بوق الحرب النحاسي البعيد، في جيبه العلوي إن حدقنا مليَّاً سنرى دليلاً للنجاة كتب خصيصاً لانقاذ اللغة من الغرق، إنه دليل جندي الكتابة وقد عاش الحروب جميعها.
(القدس العربي)