مستفزة تلك الأنباء الواردة بشأن تسلُّم شقيق وزير عامل لموقع مدير المكتب الخاص في رئاسة الوزراء.
القصة بدأت على النحو التالي: رئيس الوزراء يجد صعوبة في متابعة شؤون المؤسسات المستقلة، والحل يتمثل في إنشاء مكتب خاص؛ وما من أحد قادرعلى حمل هذا الملف سوى شقيق أحد الوزراء.
المرشح أجرى مقابلة قصيرة. وبعد نحو ثلاثة أسابيع، صدر القرار بالتعيين، في أجواء من السرية. وبالفعل، باشر عمله منذ عدة أيام.
التحفظ ليس على الشخص ومؤهلاته، بل على الفكرة والمبدأ اللذين يؤكدان أن استخدام النفوذ لتحقيق مكتسبات خاصة ما يزال سارياً ومحللاً! وأن الغضبة الشعبية على مسلكيات الحكومات لم تقدم أو تؤخر في قناعة بعض المسؤولين بشأن إمكانية تجيير الموقع العام لتحقيق منافع خاصة.
ما يعنيه تعيين شقيق أحد الوزراء في موقع مهم، هو أن معايير النزاهة والتنافسية غائبة، وبدرجة تعكس استخفافا بالمجتمع، وتكرس غياب مبدأ تكافؤ الفرص.
مهمة الموقع متابعة عمل المؤسسات المستقلة، التي يزيد عددها البالغ 64 مؤسسة عن ضعف عدد الوزارات؛ إذ بقي عدد المؤسسات المستقلة وموازنتها على حالهما، رغم الوعود الكثيرة بمعالجة ظاهرة هذه المؤسسات، وترشيقها وضبط نفقاتها.
المشكلة ليست فقط بالوزير الذي يعتقد أن من حقه تجيير الموقع الخاص لخدمة مصالح العائلة، بل هي أيضاً بالبيروقراطي العريق، دولة رئيس الوزراء الدكتور عبدالله النسور، الذي تدرج في العمل العام حتى وصل أرفع المستويات.
مثل هذه الخطوة تضر بصورة الحكومة، رئيسا وأعضاء. فالانطباع الخطير المتولد عنها وتبعاته، لا يتوقفان عند حدود المستفيدين من القرار، بل يطالان كامل الفريق الحكومي، كون القبول بالقرار لا يعني إلا أمرا واحدا، هو الاستخفاف بالناس والمجتمع.
لطالما استفز هذا النوع من القرارات الأردنيين بكل شرائحهم، لأن فيه تكريساً لفكرة الواسطة والمحسوبية، وغياب التنافس، خصوصا أن شغل هذا الموقع لم يخضع للتنافسية؛ إذ لم يتم الإعلان عن ابتكار الموقع، ولم يُفتح باب التنافس عليه على غرار باقي الوظائف العليا في القطاع العام، بحسب ما التزمت الحكومة منذ تسلمها المسؤولية، حينما شكلت لجنة لشغل المواقع العليا، وأخضعتها لمعايير الكفاءة والشفافية.
المشكلة أن هذا القرار يعرّي الواقع، ويؤكد أن كل الحديث عن الإصلاح الإداري ليس حقيقيا، ولا يتجاوز حدود الرسائل الشفوية الساعية إلى "إرضاء" مجتمع يشعر بالتهميش وغياب العدالة. وليكرس هذا القرار فكرة توارث المواقع، التي يمقتها الأردنيون.
للعمل العام مبادئ وأخلاقيات لا يجب التنازل عنها. والقرار الأخير مثار الجدل مدان، لأن فيه عودة إلى كثير من الظواهر التي اعتقد المرء أنها انتهت، تقديرا لحالة الحنق والاحتقان الشعبي على الحكومات، وسعيا وراء تقليص فجوة الثقة بين الحكومات والمجتمع.
حكومة النسور وعدت باستعادة الثقة مدماكا راسخاً في عملها. لكن الظاهر أنها غير معنية بذلك، ولا تهتم لطابور الشباب الطويل العاطل عن العمل، ولا لانعكاسات مثل هذه الخطوة على مزاجه السيئ والمتشائم.
بالأمس استعرضت ردود الفعل الغاضبة على مواقع التواصل الاجتماعي، وكانت الادانة سيدة المواقف، فوجود شقيق الوزير في موقع حساس، ربما أفرح عائلته، لكنه أغضب كثيرا من الأردنيين المقهورين، لشعورهم باستخفاف الحكومة بهم، بعد أن أسقطتهم من الحساب.
(الغد)