الأمة التي تحترم ذاتها وكيانها وتفرض هيبتها بين شعوب الارض هي التي تهتم بلغتها الرسمية كتابة وتطبيقا وتغرس ذلك في عقول ابنائها. الذي شدني للكتابة في هذا الموضوع هو تراجع الاهتمام في لغة الضاد، وليعذرني زملائي المتخصصون في اللغة العربية حيث نجدهم وقفوا جانبا يتفرجون على الوهن الذي أصاب اللغة.
نجد الكثير من المراسلات التي تتم في مؤسساتنا مليئة بالأخطاء دون التزام باحترام قدسية الكلمة واللغة فتجد الاخطاء الكبيرة في الصياغة والتعبير بل والأخطاء الإملائية والتي تمر دون مراجعة أوتدقيق.
إن هذا الأمر يبدو غير مهم في نظر البعض ولكن اذا كنا نحن الاكاديميين في مؤسساتنا التعليمية في مدارسنا وجامعاتنا لا نعير ذلك الاهتمام، فإن ذلك سيصبح نهجا خاطئا نمارسه بشكل يسيء الى مؤسساتنا ولغتنا. أليس من الافضل أن يتولى أمر صياغة المراسلات وكتابتها متخصصون ومؤهلون لذلك في جميع المؤسسات لنعكس الصورة الناصعة البياض للغتنا العربية الجميلة لفظا وغاية؟
ان تراجع الإهتمام في لغتنا أصبح ممارسة غير محمودة حتى من طلبة الجامعات وحملة الشهادات العليا... لماذا نهتم باللغات الأخرى على حساب لغتنا وأرجو أن لا يفهم من ذلك عدم الدعوة الى تعلم اللغات الأخرى وإتقانها ولكن الشيء المؤسف حقا هو عدم إجادة لغتنا الام وخصوصا في مجال الكتابة والخطاب بشكل عام. وهذا الأمر ليس وليد اللحظة وانما نتيجة تراكمات خاطئة منذ سني الدراسة الاولى.
ان إتقان اللغة ينطلق بداية من ممارسة الكتابة والنسخ الذي كان سابقا نهجا اساسيا في مدارسنا لما فيه من ترسيخ وفهم لمكنوناتها، فعندما يتم نسخ موضوع القراءة أكثر من مرة من قبل طالب المدرسة فأنه بذلك يتعلم الاملاء والخط وقواعد اللغة وكذلك حفظ الدرس بسبب التكرار المفيد هنا، والمتأمل للأجيال السابقة التي تتقن عناصر اللغة جميعها ما جاء ذلك الا عن طريق الكتابة اليدوية والنسخ المستمر والجهد، ولكن ما نشهده اليوم أن عنصر النسخ والكتابة أصبح أمرا ثانويا لا يتم التركيز عليه حيث نجد الكثير من طلبة المدارس في مرحلة الثانوية ومرحلة الجامعة لا يجيدون الاملاء . وقد لفت انتباهي أخطاء تكتب من قبل حملة شهادات وللأسف وأذكر منها( كلمة "هذا" حيث يكتبها البعض "هاذا"، كلمة "إضافة" يكتبها البعض "اظافتا"، كلمة "بناء" يكتبها البعض "بناءا"،كلمة "يدعو" يكتبها البعض "يدعوا"، كلمة الالتزام "بالنظام" حيث يكتبها البعض "النضام"، ومثلها وارفة "الظلال" يكتبها البعض وارفة "الضلال" ....ألخ) هذا ناهيك عن عدم الإلتزام بأبسط قواعد اللغة مثل (على المدرسون بدلا من على المدرسين، ارحب بالعالمان الفاضلان بدلا من ارحب بالعالمين الفاضلين) ناسيا أو متناسيا أن حرف الجر يجر الجبل.
أردت أن أكتب في هذا الموضوع لعلها تكون رسالة الى مدارسنا وجامعاتنا أن تحترم لغتنا لغة القرآن الكريم، وأورد هنا ان فرنسا تحرص تمام الحرص على نقاء لغتها ويقوم بتدريسها القادرون والمؤهلون ولا تسمح أن يدرس في مدارسها اللغة الفرنسية من كانت لكنته غريبة لتكون لغتهم خالصة من الشوائب. وفرنسا ايضا عزت أسباب هزيمتها أمام بريطانيا في حرب السنوات السبع الى هزيمة ثقافية وتربوية وتعليمية وليست عسكرية فغيّرت مناهجها وطرق التعليم في مدارسها.
اللغة هي الوعاء الثقافي والفكري والتعليمي والواجب يقضي أن نحترم لغتنا وثقافتنا ونعتبرها من الأولويات في لغة الخطاب وبالطريقة السليمة والصحيحة التي تدخل ضمن إحترام الذات والهوية، كما أن العودة الى لغتنا والإهتمام بها أصبح ضرورة، وهذه دعوة الى مدارسنا وجامعاتنا لتعيد للغتنا ألقها وكبرياءها التي تستحق.