بعد فلم طباخ الرئيس الذي قدمته السينما المصرية قد نشاهد أفلاماً عن الحلاق والخياط والسائق لعدد من الزعماء في عالم يزعم بأنه أطاح بالأباطرة، في ذلك الفلم يصبح الطباخ صديقاً للرئيس «وبارو متر» لقياس منسوب الغضب الشعبي، ومستوى المعيشة ويذكرنا على الفور بالحكاية الموروثة عن مأمورية الزير وهي باختصار عن زيارة قام بها أحد السلاطين الى اطراف بلاده ورأى الناس يشكون من شحة الماء والظمأ، فأمر ببناء زير عملاق يملأ بالماء كلما فرغ منه وبعد أعوام اكتشف ان هناك لجاناً تشكلت باسم الزير، وعين وزير ايضا لشؤون الزير، لكنه حين قام بزيارة لتفقد الزير لم يجده وكل ما سمعه هو ان شكوى الرعية من الظمأ تضاعفت..
تلك رؤية تقليدية أنهى التاريخ صلاحيتها منذ زمن، لأنها تسعى الى تهريب الاخطاء، والتبرئة رغم ان الفساد بنيوي ولا يسلم منه خيط واحد في النسيج الاجتماعي.
وفي فلم أيام السادات تكرر مشهد حلاق الرئيس يروي له تفاصيل يومية، لكن الظروف يومئذ لم تكن تسمح للحلاق بأن يكون بطل فلم، بل مجرد كومبارس على هامشه، وما أثير مؤخراً في بريطانيا حول منح حلاق رئيس الوزراء كاميرون وزوجته وسام الامبراطورية البريطانية تقديراً لخدماته وأهمها تصفيف شعر الرئيس من اليسار الى اليمين بدلاً من العكس، يوحي لنا بأن العدوى قد بلغت أمكنة زعم من فيها انهم محصنون وملقحون ضد الاصابة بها.
والحلاق كارسيبرو يضاف اسامه الى قائمة من ظفروا بهذا الوسام الامبراطوري الرفيع، ليس لأنه حول اليسار السياسي الى يمين أو انقذ بريطانيا من أزمة اقتصادية أو أعاد اليها المجد الغابر بعد ان تحولت الى ضاحية لواشنطن، بل لأنه اجترح معجزة تجميلية حين غير موقع الغرة الشقراء على رأس الرئيس فاصبحت على اليمين بدلاً من اليسار.
لقد أثيرت مثل هذه العاصفة في البرلمان البريطاني من قبل حول تكاليف التجميل والكريمات التي كان يستخدمها بلير؛ كي يبدو أكثر نضارة وشباباً.. لكن على ما يبدو هناك في التاريخ البشري ما هو أقوى من كل أشكال التغيير والإنسان العادي الذي يشتبك على مدار عمره مع الحد الأدنى من ضرورات البقاء لا حول له ولا قوة، فهو نكرة ومجهول شأن حلاقه وخياطه والمطعم الشعبي المتواضع الذي يأكل فيه.
ان كل ما يتعلق بالزعامة على اختلاف صورها يبقى مثيرا لفضول الناس، واذكر ان الروائي الالماني غونتر غراس الحائز على جائزة نوبل كتب رواية يتقصى فيها مصير كلاب الفوهرر المدللة، ومن المعروف عن ونستون تشرتشل انه كان كثير الحديث مع سائقه، الذي سأله ذات يوم متى تنتهي الحرب، فأعاد تشرتشل السؤال قائلاً لسائقه.. متى تنتهي الحرب!
لكن العالم لم يشاهد فلماً عن سائق تشرتشل أو عن طبيب هتلر الدكتور مايلر، لكنه قد شهد أفلاماً عن حلاقي وخياطي وطباخي الرؤساء في زمن رفع فيه شعار الشعب هو البطل!!!
(الدستور)