لم يكتفِ الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، بلقاء الملك، بل أرسل، وفقاً لمعلومات موثوقة، عباس زكي لمقابلة عبدالرؤوف الروابدة ومعروف البخيت. والأخير تحديداً عبّر بوضوح عن هاجس تيار أردني واسع من المفاوضات الفلسطينية-الإسرائيلية في اللحظة الحالية، وخالف الموقف الرسمي الأردني عندما طالب بجلوس الأردن على طاولة المفاوضات، ليقول كلمته فيما يتعلّق بمصالحه العليا المرتبطة بالحل النهائي!
بالرغم من السريّة التي تحاط بها المفاوضات الحالية، فإنّ هنالك، وفقاً لمسؤولين أردنيين مطّلعين، تفاهمات إسرائيلية- فلسطينية على القضايا الرئيسة: القدس عاصمة لدولتين؛ واستبدال أراضٍ بين الضفة الغربية (تقع عليها المستوطنات) ومناطق أخرى؛ وترتيبات أمنية بمشاركة دولية في غور الأردن؛ وتحديد إطار قانوني وسياسي للتعامل مع اللاجئين الفلسطينيين في الخارج، مع ضمانات لإسرائيل بعدم عودة لاجئي الـ48.
لم تنته القصة بعد، فثمة معضلات حقيقية تقف في وجه إتمام الاتفاق، من بينها إصرار نتنياهو والإسرائيليين على اعتراف فلسطيني بـ"يهودية الدولة". وهو ما لا يملك عباس أو غيره تقديمه؛ ليس لعدم موافقة المسؤولين الفلسطينيين والعرب عليه، ولا لأنّه شرط غير منطقي مرتبط بحقوق فلسطينيي 48 الذين لا وصاية لعباس عليهم، ويعتبرون في منطق القوانين الإسرائيلية مواطنين في تلك "الدولة"، بل لأنّ المسؤولين الفلسطينيين والعرب جميعاً لا يملكون الجرأة ولا القدرة على تسويق القبول بهذا الشرط الخطير على الصعيد الشعبي العربي عموماً!
لا تقف "المعضلات الرمزية" عند هذا المستوى. فقضية اللاجئين تمثّل ملفاً لا يقل أهمية عن الأول. ففي جلسةٍ مغلقة لمستويات عليا في الدولة، ضمت رئيسي مجلسي النواب والأعيان، بالإضافة إلى مسؤولي الديوان الملكي والأجهزة السيادية والحكومة، طُرح سؤال مهم، يتمثّل في مدى استعداد الأردن للتعامل مع ما سيطرحه وزير الخارجية الأميركي، جون كيري، بعد أشهر قليلة؛ فيما إذا كانت لدينا تصوّرات واضحة وسيناريوهات دقيقة بشأن تعريف مصالحنا العليا بهذا الخصوص، حول اللاجئين وحق العودة والتعويض، والقدس والحدود..
الجلسة المغلقة العليا تناولت إشكالية موقف كلّ من الشرق أردنيين والأردنيين من أصول فلسطينية من هذه "المقايضة" الرمزية التاريخية، وفيما إذا كان لدينا -أردنياً- تصورات للتعامل مع هذا الملف، وماذا سيطلب الأردن، بوصفه الدولة المستضيفة، وماذا سيطلب المواطنون الأردنيون من أصول فلسطينية، وكيف سيؤثر هذا الإطار المرحلي المؤقت الممهد للتسوية النهائية على "المعادلة الداخلية" الأردنية.
وربما المسألة الأكثر إلحاحاً تتعلق بالفلسطينيين الذين يمتلكون "البطاقات الخضراء"، والغزّيين الذين وإن كانوا يحملون جوازات سفر أو وثائق إقامة، إلاّ أنّهم ليسوا مواطنين أردنيين؛ فماذا سيكون مصيرهم؟!
انتهت تلك الجلسة إلى ضرورة إعداد ورقة سيناريوهات وتصورات أردنية، تضع إجابات على ما يمكن أن يقدمه كيري، وتتوافر على معلومات وبيانات واضحة بشأن ذلك؛ وإعداد خطة لتعزيز دور الإعلام الرسمي وبناء قدرته على تسويق أي قرارات أردنية بهذا الخصوص.
تتمثل المعضلة الحقيقية في ضعف قدرة الأنظمة العربية، ومحمود عباس، على تسويق أي اتفاق يرتطم بقضايا رمزية، مثل حق العودة. والمعضلة تبدو مضاعفة في حال لم تنجز هذه المقايضة. فعباس على ضعفه، هو آخر من يملك إتمام الاتفاقية من الفلسطينيين، فيما لا يملك هو ولا العرب أي بدائل لفشل التسوية.
وفي حال أقرّ الأردن مثل هذه التفاهمات، فسيدخل في معضلات أخرى صعبة، مثل موقفه في مجلس الأمن في حال أصرّ الطرف الإسرائيلي على الحصول على اعتراف العالم بيهودية الدولة.
(الغد)