التعليلة مشتقة من كلمة عليل وهي السهرة في الهواء الطلق العليل الذي يهب بالنسمات العليلة الرطبة بالندى في الليل فتنعش الساهرين من حر النهار، وكانت تقام خارج نطاق البيوت ، إما في الساحات أو الدواوين أو أمام البيوت والعِليّات؛ وكانوا يتناولون في الديوان القهوة والشاي المغلي على نيران الحطب ، فتجد مواقد النيران وبكارج القهوة والفناجين والمحماسة التي تحمص فيها القهوة والهاون الذي تدق فيه بداخل الجرن ، وللشعب الأردني خصوصية رائعة في علاقات أبنائه الاجتماعية ؛ وعلى الرغم من تراجع بعض التقاليد الجميلة ؛ الإ أن هناك فرصة لإعادة تسويقها اجتماعيا للمحافظة عليها من الاندثار.
في بداية تأسيس الامارة وما تلاها من اعلان المملكة الأردنية الهاشمية ؛ كانت التعاليل الأردنية مدارس للعلم والأدب ؛ حيث يلتقي الوجهاء والعلماء في كل ليلية ؛ وبعد صلاة العشاء ؛ في ديوان شيخ العشيرة او مختارها ؛ وربما يتداورون المجالس في كل ليلة عند وجيه من وجهاء القرية ، يتسامرون ويتباحثون في شؤونهم كافة ؛ يسألون عن احوال الصغير والكبير والمريض والغائب والمحتاج.....الخ.
النظام السياسي الاردني ممثلا بسمو الامير عبدالله الاول ؛ الملك المؤسس لاحقا – رحمه الله – لم يكن بعيدا عن هذه التقاليد الوطنية الجميلة ؛ فكان يحضرها ويجالس وجهائها بشكل دوري ؛ وكان الأمير / الملك يعرف اعلام البلاد وعلمائها ؛ وفي كافة محافظات المملكة وفي بواديها وأغوارها.
اليوم ؛ ومع الزيادة السكانية للمملكة ؛ ومع التوجه المادي الذي بات يميز سلوك البشر ؛ أصبحت تقاليدنا الأردنية تنحرف عن مسارها الوطني الأصيل ؛ فالصالونات السياسية ؛ اغلبها مجالس للنميمة والتآمر على الوطن وثوابته ؛ والتعاليل الحديثة يغلب عليها الاستعراض والمظاهر الزائفة ذات اللون الطبقي المصلحي ؛ ومواقف الناس تتلون حسب تلون الفصول السياسية !!!.
والتساؤل : الا يمكننا كأردنيين ان نعيد لحياتنا الاجتماعية بريقها وحيويتها النقية ؟! ، ثم هل هذه المهمة مسؤولية الحكومة ام مسؤوليتنا كمواطنين ، أم مسؤولية مشتركة ؟!
باعتقادي أن الأمر ممكن ؛ رغم صعوبته ، ويتطلب مبادرة شعبية واستجابة حكومية ، فالحكومة قادرة على مد جسور الشراكة مع المواطن ، وقد أشار جلالة الملك في غير لقاء الى النهج التشاركي ؛ غير اننا لم نلمس شيئا ملموسا في نهج الحكومات المتعاقبة لتحقيق هذه الشراكة ، فما الذي يمنع حكامنا الإداريين من التواصل غير الرسمي مع الأهالي في مناطقهم ، ويحييون التعاليل الأردنية في كافة محافظاتنا وبشكل ودي ودوري بعيدا عن التشنج والإتهامية ؟! ، وما الذي يمنع سفراءنا من إقامة هذه التعاليل مع ابنائنا في دول الاغتراب ؟!.
وبالمقابل ؛ ما الذي يمنعنا كمواطنين أن نشكل مجالس وهيئات شعبية في كل منطقة اردنية ونبادر في مد جسور التعاون والتشارك مع مؤسسات الدولة المختلفة ؛ لنكون الرديف المساند لهذه المؤسسات في تحقيق العديد من اهدافنا الوطنية والمحافظة على نسيجنا الاجتماعي وخصوصيتنا الوطنية ؟! ، أما اعلامنا الوطني بشقيه العام والخاص ؛ مطلوب منه تعزيز ودعم التقاليد الأردنية الأصيلة بعيدا عن جلد الذات وتقزيم موروثنا الحضاري الجميل .