للأسف، غادرت "بريتش بتروليوم" المملكة، من دون أن تساعد الأردنيين على تأكيد أو نفي شكوكهم بشأن وجود غاز في بلدهم بكميات تجارية.
الشركة أعلنت الرحيل من خلال بيان صحفي مقتضب، قالت فيه، بعبارات غير مباشرة، إنها ستعيد حصتها من امتياز التنقيب عن الغاز لشركة البترول الوطنية التي، ولسوء الحظ، كانت مغيّبة عن ماهية عمل الشركة البريطانية، إلا بالقدر الذي تريده هذه الأخيرة.
البيان لم يتضمن أي تفاصيل، باستثناء إعلان الخبر غير السار للمجتمع، وبشكل مستتر؛ كأن "بريتش بتروليوم" تخشى من وقع صدمته على شعب ما يزال يحلم بأن بلده، كغيره من دول الجوار، يحوي نفطاً وغازاً، لكنّ قرارا سياسيا بعدم استكشافهما يبقيهما تحت الأرض إلى حين!
الحكومة من جانبها لم تقل حرفاً، رغم أن الأخبار التي نُشرت حول رحيل "بريتش بتروليوم" أربكتها، ودفعتها إلى عقد اجتماع بين المسؤولين عن ملف الغاز وأحد مسؤولي الشركة البريطانية، لكنْ لينتهي الاجتماع الطويل بخبر قصير لم يشفِ غليل الناس، ولم يقدمْ إجابات جلية عن أسئلة كثيرة ما تزال معلقة، خصوصا أن قرار الرحيل المفاجئ جاء بعد شهرين فقط من طلب "بريتش بتروليوم" تمديد عملها حتى نهاية العام الحالي.
الشركة، قبل قرارها الأخير، اصطدمت بطبقة صخرية صلبة صعبة الاختراق. لكنها برغم ذلك مضت في عملها، إلى أن فاجأتنا بعد ذلك بإنهاء أعمال التنقيب.
شخصيا، لست مستاءة من مغادرة الشركة. فالمعلومات القليلة التي كانت ترشح عن عملها، تؤكد أن الأردن لم يكن ضمن أولوياتها. وما توافر من معلومات أيضاً، لم يعطِ آمالا، منذ البداية، بإمكانية الاستمرار، ولم يقوِّ الفرص بوجود كميات تجارية من الغاز.
الحديث اليوم يتعاظم عن الحدود التراكيبية بين الأردن والعراق. وثمة "وشوشات" بتفضيل الشركة العمل في العراق على الأردن، خصوصا في المناطق الحدودية مع المملكة. ما يعني إمكانية استحضار سيناريو مياه الديسة التي تقع على الحدود التراكيبية المشتركة مع السعودية. إذ يقول خبراء بإمكانية سريان الغاز بين الحدود الأردنية العراقية. وهذه معلومات بحاجة إلى نفي أو تأكيد رسميين، عدا عن أن قرارات الشركة ستقدم جوابا عنها مستقبلا، لكن الخوف أن يكون ذلك بعد ضياع الوقت.
بالأصل، لم يتم اكتشاف الغاز في الريشة من قبل الشركة البريطانية، بل من قبل شركة البترول الوطنية التي بدأت باستخراج الغاز قبل عقد الامتياز.
واليوم، لدينا واقع جديد، على الحكومة التعامل معه. وربما يكون هذا الوضع الجديد مدعاة لمزيد من الدعم للشركة الوطنية، حتى تطور عملها في مجال التنقيب.
الحكومة قدمت 26 مليون دينار للشركة الوطنية من أموال المنحة الخليجية. وهو رقم يبقى ضئيلا مقارنة بحجم الاستثمار المطلوب، والذي لا يقل عن 200 مليون دينار، وفق تقديرات مطلعين يرون الاستثمار في هذا القطاع مجدياً ومفيداً، وينطوي على آمال كبيرة، خصوصا أن تطلعات الأردن لما هو مطلوب من كميات، لا تقارن بتلك التي تنقب عنها "بريتش بتروليوم".
فالحلم الأردني على قدر إمكانات المملكة، وتحقيقه ليس سهلا لكنه غير مستحيل. وقليل من الجهد قد يساعد في توفير كميات إضافية من الغاز الطبيعي، بخبرات الشركة الوطنية، شريطة أن تحظى هذه الشركة بدعم مالي ولوجستي، وقبلهما معلوماتي، من خلال مطالبة الشركة البريطانية بتقديم جميع نتائج عملها، مقابل فترة الامتياز الطويلة التي حصلت عليها، وها هي تغادر من دون أن تقدم أو تؤخر.
ومع ذلك، يدعو هذا الخروج المفاجئ للشركة والذي ضاءل الآمال بظهور غاز أردني، إلى التساؤل فيما إذا كان شراء الحكومة للغاز من إسرائيل أصبح قاب قوسين أو أدنى.
(الغد)