هؤلاء اخواننا في الملة الانسانية .. !!
حسين الرواشدة
10-01-2014 02:58 AM
سامحهم الله أولئك الذين يعتقدون بأن دائرة الاخوة تقتصر على أبناء الملة الواحدة ، والحزب او الفصيل الواحد، أو حتى البلد والحي الواحد ( تصور اننا في البلد الواحد اصبحنا شعبين وفق تصنيفات احد المطربين..!!)، وبأن سواهم من البشر خارج هذه الدائرة ، بل هم - احيانا - اعداء بالضرورة ، لا تجمعهم بهم أية قواسم ولا تربطهم معهم أوشاج او مصالح اومجرد حاجة للتعاون والتعارف.
تذكرت ذلك حين اتهمني أحد القراء بقلة الفهم لأنني ترحمت على مانديلا ووصفت بعض الشعوب غير الاسلامية بأنهم اخواننا ، ظناً من صاحبنا ان دائرة الاخوة في الاسلام لا تستوعب غير المسلمين ، فيما الحقيقة غير ذلك تماماً ، اذ ان هذه الدائرة كما استقر في ديننا وثقافتنا تتسع للبشر جميعاً ، فثمة اخوة في الدين ، وثمة اخوة في الوطن واللغة (سمها القومية ان شئت) ، واخوة في الانسانية ، وهذه الاخيرة تتجاوز مفهوم المواطنة الحديث ، وتسمو عليه في القيمة والتطبيق معا ، وعندها لا شيء يمنع من ان يكون الفرنسي أو الامريكي أو حتى البوذي والكونفوشوسي وغيرهم من أتباع العقائد والأديان ، وأمم الارض أسودها وأبيضها ، اخواناً لنا ، أو نظراء في الخلق ، كما كان يقول الامام علي كرم الله وجهه: الناس صنفان ، اخوان لك في الدين أو نظراء لك في الخلق ، وكما سبق وأشار الكتاب العزيز الى تكريم الانسان لذاته أولاً ، والى مبدأ التعارف الذي يجمع الشعوب والقبائل من بني الانسان ، والى اعتبار الله تعالى دائماً رباً للعالمين بمعنى اجتماعهم كأخوة من بني آدم ، وعيال لأمهم حواء ، على ارضية النبوة والاخوة ، الخلق عيال الله ، واحبهم اليه احرصهم على عباده .. كلكم من آدم وآدم من تراب .
لا شك بأننا نضيق على انفسنا كثيراً حين ننحاز الى هوية معينة تستعدي غيرها من الهويات ، أو الى طائفة او جنس أو لون أو جغرافيا تختزل وجودنا وحضورنا الكلي فيها ونكافح من اجل الغاء غيرها حتى لو كان يشاركنا حياتنا وثقافتنا ومصيرنا ، وانا لا اتحدث هنا عن العصبيات المقيتة في دائرة البلد الواحد (وهذه آفة الآفات) ولا عن الصراعات الوهمية بين القوميين واليساريين وبين والاسلاميين ، ولا عن حالة الهوان التي انتهت اليه أقطارنا التي يتناصب شعوبها العداء بسبب معركة كروية ، فهذه كلها شواهد على خيبات أمتنا في الداخل ، وانما اتحدث عن علاقتنا مع أمم الارض وشعوبها ، وهؤلاء الذين تجاوز فقهنا الاسلامي تصنيفهم على أساس دار الكفر ودار الايمان ، واعتبرهم أبناء انسانية واحدة ، لكننا - للاسف - ما نزال نضعهم في اطار المواجهة ، ونتعامل معهم بمبدأ الصدام ، ولا نتذكر بأن أمة الدعوة تحتاج الى امة استجابة ، وبأن خطاب الدعوة يستلزم وجود الحكمة والكلمة الطيبة والبحث عن الجوامع الانسانية والتوجه الى الناس بالنموذج الحسن ، وتقديم المودة على القطيعة والجفاء.. وهذه كلها لا تستقيم اذا اعتبرنا ان غيرنا خصم وعدو لا أخا لنا ، أو ان هدفنا افحامه بالفكرة ، أو اقصاؤه بالقوة ، أو الانتصار عليه بأية طريقة.. بدل ان يكون الهدف هدايته أو كسب مودته وصداقته وتعاطفه أو فهمه والتفاهم معه.
باختصار ، الايمان بفكرة الاخوة التي تجمع البشر على مهاد الانسانية والآدمية ، ليست دعوة للضعف أو قبول الهوان والسكوت على العدوان والاساءة - كما قد يتصور البعض - ولكنها دعوة لتبديد وهم الخوف على ديننا ، ومن ديننا ، وتجاوز وهم الصراع على تخوم حضارات وهويات ومصالح غالباً ما تتماهى أو تتكامل أو تتنوع لتحقق مبدأ العمارة والخلافة ، وما لم تستطع المواطنة بأنواعها ان تحسمه فان الاخوة .. ببساطتها قادرة على حسمه.. ويا ليت ان عالمنا يجرب هذه الوصفة.. أو ان بلادنا الاسلامية والعربية وأوطاننا تهتدي اليها.. وتقدمها لغيرنا من الأمم برهاناً لنموذجنا الانسان الذي اشتاقت اليه انسانيتنا المعذبة بالصراعات والحروب والكوارث..
(الدستور)