من كان يعتقد أننا سنرى يوماً، فيلماً هندياً بقمة الواقعية، لا للصدفة أو للعواطف مكان فيه، على شاكلة أفلام آميتاب باتشان أو كارينا كابور، ومن كان يصدق أن الهند التي استقر في وجداننا أنها تتلونا بمراحل على قائمة التطور والتنمية وأن مواطنها مجرد "هندي" بسيط يقل عنا علماً وإنتاجا وإدراكاً.. هو غير ذلك!!
أريحوا أنفسكم، هذا الذي استخففنا به طويلاً أثبت أنه عملاق أتى بسنين قليلة على قناعاتنا المُهترئة وأوهام التفوق الجيني الزائف، حين أعطانا والعالم.. درساً هندياً.
لا جين متفوقا في عالم تتغير فيه مقادير القوة ومعايير التميز المحكومة قطعاً بالجهد والعمل وإتقانه واحترام الوقت وتحويل الملايين المهدورة في الرفاه و(البطر) وقنوات الفساد والجيوب التي لا تشبع، لتؤول إلى مراكز البحث العلمي وتطوير التعليم ومناهجه واستحداث البرامج وإنعاش الأفكار الإبداعية والصناعة واستصلاح الأرض واحترام قيمة الإنسان.جوهر الحكاية.. قيمة الإنسان!
مناسبة الحديث، ما شهده الأسبوع الماضي حين حقق رجال شرطة أميركيون مع دبلوماسية هندية تدعى خوبار اجاد في الولايات المتحدة، بتهمة إعطاء معلومات غير صحيحة حول خادمتها الهندية واتسم تعامل الشرطيين بالفظاظة كما تم تجريد الدبلوماسية من ملابسها وإبقاؤها عارية في زنزانة قبل إطلاق سراحها بكفالة.
قامت الدنيا ولم تقعد لهذا الانتهاك الأميركي الفاضح لتقاليد الدبلوماسية وأعراف التعامل مع المشتبه بهم، وقبل ذلك هو انتهاك صارخ لحقوق الإنسان في بلد يغزو العالم بحجة احترامها.
في نيودلهي ومن أجل فتاة هندية شابة امتُهنت كرامتها وجسدها في نيويورك، سحبت الحراسات وحواجز الحماية الإسمنتية كافة من أمام السفارة الأميركية واستدعي السفير احتجاجاً، وسحبت بطاقات التعريف التي تسمح للدبلوماسيين الأميركيين بالحصول على معاملة تفضيلية، كما منعت نيودلهي السفارة الأميركية من استيراد الكحول والمواد الغذائية، كإجراء عقابي، وسحبت شارات الدخول من الدبلوماسيين الأميركيين، ثم احتار وزير الخارجية كيري أي عبارات الاعتذار تناسب الحادثة في اتصالات عديدة فاشلة انتهت بواحدة مع مستشار الأمن القومي الهندي.
رفضت الهند كل الاعتذارات ونقلت دبلوماسيتها الشابة إلى بعثتها في الأمم المتحدة كرد صريح على الإجراء وتحصيناً لابنتها ولكرامة كل الهنود في أميركا.
درس هندي قاس أيضاً لنا نحن الشعوب العربية التي لم تتعود على مواقف مشابهة من قبل حكوماتها حين يتصل الموضوع بكرامة عربية مهدرة على أدراج مطار أميركي أو انتهاك لخصوصية فتاة عربية في تحقيق أو اشتباه.
الهنود الذين ردوا بهذه الثقة على واشنطن، هم من حققوا المراكز الأولى في العالم اليوم في الصناعات الدوائية والإلكترونية والمعلوماتية، وهم من أطلقوا أول مركبة فضائية لهم وصاروا رواداً في الأقمار الصناعية وإنتاج ملايين السيارات سنويا، وهم من استحوذوا على أرفع مستويات البحث العلمي وحققوا ثورة في التعليم.
لم تعد صورة الهندي الذي يُراقص الثعبان على أنغام نايه هي فقط من ملامح الحياة الهندية، بل أُضيفت لها ملامح الإنجاز العلمي والتقني والطبي واحترام حقوق المواطن وكرامته وغزو الفضاء والسينما، وتلقين الدروس الهندية الخالصة لشعوب أُخرى.
(الغد)