"النرجيلـــة فـــي أميركــــــا"
وليم سلايطة/ديترويت/امريكا
08-02-2008 02:00 AM
في الوقت الذي تنتشر فيه عادة ُ تدخين (النرجيلة) بين صفوف افراد الجاليات العربية الاميركية في الولايات المتحدة ووصولها السريع لشرائح كبيرة من المجتمع الاميركي خاصة طلبة َ وطالبات الجامعات وروادَ المقاهي والمطاعم، تنتشرُ ايضاً وتتوسعُ ندواتُ التوعية والتثقيف وارشاداتُ التحذير من مضار الاستخدام التي تؤكد الدراساتُ والبحوث الاولية ُ ان مخاطرها على الصحة العامة والبيئة هي اكثرُ بكثير من تلك التي يسبُبها التبغ ومشتقاته.في مدينة ديربورن "عاصمة العرب الاميركين" المكتظة شوارعُها بالمتسوقين من مدنٍ ومناطقَ اخرى في ميشجن لاتخلو اسواقـُها التجاريةُ من النماذج المتعددة والمتنوعة (للنراجيل) المستوردة من الدول العربية وتركيا وايران والهند والتي تتراوح اسعارها بين العشرين دولاراً الى مئتي دولار واكثر. وتعرض هذه الاسواقُ الى جانب (النراجيل) عشرات الانواع والاصناف من المعسل باشكالة والوانه المغرية والجذابة لعيون المتسوقين، والذي يباع ايضاً باسعار تتراوح بين ستة الى خمسة عشر دولاراً للعلبة الواحدة. وقد يغفل المتسوق المدخن شراء سلعة غذائية ضرورية ولكن لن ينسى ابداً ما يحتاجة من المعسل .
في ولاياتِ الوسط الغربي الاميركي، مشيجن، اوهايو، الينوي وانديانا التي تزدادُ فيها الكثافة السكانية العربية الاميركية اصبحت فكرةُ الاستثمار في المقاهي والمطاعم التي توفر خدمات تدخين النرجيلة والمتخصصة في تحظيرها وتهيئتها بشكل جذاب تلاقي رواجاً كبيراً عند رجال الاعمال الشبيبة العرب الاميركين الذين ايقنوا انها ذات عوائد مالية توفر ارباحاً طائلة مقارنة مع اي مشاريع استثمارية صغيرة اخرى، فقد يستثمر هؤلاء الشباب في مشاريع خدمات النرجيلة في مدن رئيسية كابيرمنجهام ورويل اوك ونوفاي وفارمنتغون هللز، اضافة الى حرم جامعة مشيجن في اناربر، ووين ستيت في ديترويت وغيرها الكثيرُ من المناطق والمدن الجامعية التي يشاهد فيها الشباب والشابات من طلبة، وموظفين وهم يستمتعون بنفس نرجيلة (ذي نكهة (معسل) تتراوح بين التفاحتين، او الموز... او الورد وغيرها الكثير الكثير من الاصناف التي تلقى صناعتها رواجاً لا مثيل له بين المدخنين من الجنسين ومختلف الأعمار بحيث أصبحت هذه الاماكن ملتقيات لجلسات الحوار والنقاش الاجتماعي والسياسي او عقد الصفقات التجارية لاصحاب الاعمال بدلاً من المكاتب، اضافة الى شهرتها كملتقى للعشاق من الجنسين او الجنس الواحد.
أنتشارُ واستخدام "النرجيلة" في مجتمع ولاية مشيجن تحديداً، أصبح يشكل تحدياً لخبراء الصحة العامة في الولايات المتحدة، بعد أن تبين انّ اعداداً كبيرة من مدخني "النرجيلة" هم من الذين تركوا تدخين التبغ والسجائر لأسباب متعددة من أهمها القوانين الصارمة التي منعت التدخين نهائياً في الاماكن العامة، وفرضت عقوبات صارمة على المخالفين من المدخنين، وحتى على اصحاب المطاعم الذين طُلب منهم تخصيص زوايا محددة في مطاعمهم للمدخنين لفترة زمنية تنتهي بنهاية العام القادم حين تصبح ولاية مشيجن كعدد كبير من الولايات الاميركية الاخرى، ولاية خالية تماماً من المدخنين. وتتمثل التحديات التي يواجهها خبراء الصحة العامة الأميركيون في ضبابية وعدم دقة المعلومات التي تصل اليهم عن مضار استخدام النرجيلة وتأثيرها على الصحة العامة والبيئة بشكل عام في ولاية مشيجن.
وفي غياب الدراسات والبحوث والمعرفة عن مضار ومخاطر هذا الشبح الجذاب "النرجيلة" الذي يغزو المجتمع الأميركي كما النار في الهشيم، استعان خبراء الصحة العامة في الولايات المتحدة بتقارير صدرت عن" مؤتمرهلسنكي" لمحاربة التدخين الذي عقد في العام 2003 وقدمت خلاله بحوث لدول عربية عن النرجيلة ومضارها، فتبين ان هذه الدراسات تفتقر الى الدقة والمصداقية العلمية وتخلق الكثير من الشكوك كما تضع مئات علامات الاستفهام حول المضار والمخاطر الناتجة عن تدخين النرجيلة. كما انهم لجأوا الى التقرير الاخير حول الجهود العالمية لمكافحة التبغ الذي صدر بداية الشهر الجاري عن منظمة "الصحة العالمية" ولم يجدوا الا تحذيرات موجهة لحكومات 179 دولة حول العالم لبذل المزيد من الجهود واتخاذ ما يلزم من الاجراءات لمكافحة التبغ والاستعانة بتصويات المنظمة الست التي وردت في التقرير لتفادي اخطار التبغ. خلال السنوات الثلاث الماضية تصدت المنظمات العربية الاميركية لمحاربة هذه الظاهرة وأجرت عدداً من الدراسات والبحوث التي لم تختلف نتائجها عن تلك التي سجلها وتبناها "مؤتمر هلسنكي"، ففي حين بينت دراسة مستعجلة لأحدى المنظمات العربية الأجتماعية ان نفساً واحداً من "النرجيلة" يعادل في مخاطرة ومضاره مضار وتأثير علبة ونصف الى علبتين من السجائر، فيما اشارت دراسة ارتجالية اخرى الى خطورة تبادل استنشاق "النرجيلة" بواسطة الفم من مدخن الى آخر بانتقال العدوى والاصابة بأمراض السل وغيره من الامراض المعدية المتعددة.
خبراء الصحة العامة في الولايات المتحدة بشكل عام وفي مشيجن بشكل خاص يدعمون ويمولون نشاطات التوعية والتثقيف التي تتبناها المؤسسات العربية الأميركية ويراقبون عن كثب تأثير ندوات الوقاية من مضارالنرجيلة ومدى نجاعة الأعلانات والدعايات الاذاعية والتلفزيونية المصورة اضافة الى لافتات التحذير المثبتة على الطرق العامة والتي تدعو المواطنين الى توخي الحذر ومحاولة معرفة محتويات ومكونات "النرجيلة" قبل الاقدام على تدخينها.
لن تتوقف ظاهرة انتشار تدخين "النرجيلة" في المجتمع الاميركي بالرغم من ازدياد حملات التوعية والتثقيف عن مضارها ومخاطرها حتى يأتي اليوم الذي ترتقي فيه الدراسات والابحاث حيالها الى الحد الادنى من المصداقية العلمية لتبين بما لا يدع مجالاً للشك من أنها تشكل خطراً فعلياً وحقيقياً على الصحة العامة.
Williams@myacc.org