كلُّ كتاب ، بعَد كتابِ اللهِ – فيه ريبٌ
د.عودة الله منيع القيسي
07-01-2014 03:23 AM
إن الناس يستسهلون القَصَّ ويستمتعون به . ولذا .. فهم شغوفون بسماعه . ولما فيه من سهولة ومتعة .. فهم قلّما يشكّون فيما يُقصّ عليهم .
يضاف إلى هذا .. أن كلام البشر – حتى وإن لم يكن قَصّاً – أقرب إلى نفوس البشر من القرآن – فالقرآن فيه جمال وجلال وإيجاز – وأعماق وسطوح ، وكلمات وعبارات، لكلًًّّ معنيان أو أكثر .زيادة على ما في كلام البشر.
ولهذا .. فهو- مُعجز – والناس يتهيبون الجلال والجمال العالي ، وسائر الصفات الأخرى – ولكن يرتاحون إلى ما فيه جمال ، ولكن يخلو من الجلال ومن سائر الصفات الأخرى . أما تراك – إذا جلست مع رجل عظيم أو مع ملكِ – مثلاً – تتقيد حركاتك ، وتضبط أنفاسك ، وتطول عليك الدقائق، وتتمنى أن ينتهيَ الموقف ، لكي تعود إلى انطلاقك ،وحريتك ( التي قُيَّدَتْ ) ، وإلى شعورك بالانسجام بين نفسك وكامل عضويتك وكيانك .أوَما ترى أن سيدنا موسى – عليه السلام – عندما سأله ربه – جلّ جلاله – [وما تلك بيمينك يا موسى ؟ قال :هي عصاي أتوكأ عليها وأهش بها على غنمي ، وليَ فيها مآرب أخرى ]- (طه – 18) .فأنت ترى أنه – عليه السلام – صعب عليه أن يستمر في مخاطبة ربه ، فأنهى كلامه بعبارة عامة .
ولهذا .. فالناس- بشكل عامّ – ليس في أنفسهم الدافع القويّ أن يعودوا بما يسمعونه إلى عَرْضِهِ على كلام القرآن : أيوافقه أم لا يوافقه ؟- لكي يأخذوا بما يوافقه ، ويطّرحوا، ويكذبوا ما لا يوافقه .
ولولا هذا ..
أولاً = لما صَدّقَ الناسُ ( ولا سيما المسلمون) ما قِيل – كذباً – بأن بعض قريش .. ضربوا الرسول المعصوم- صلى الله عليه وسلم- (حاشاهُ ) عندما كان يدعوهم إلى الإسلام، لأنه ليس في القرآن ولا آية واحدة تشير إلى أن قريشاً أو بعضها أو أحدها- قد ضرب الرسول المعصوم. وما لا يشير إليه القرآن –ولو كانت الإشارة من بعيد- فيما يخصّ الرسول المعصوم ( بل- فيما يخصّ كل شيء) هو كذب أو غير صحيح ... لأن الله تعالى يقول: ( ما فرّطنا في الكتاب من شيءٍ) – (الأنعام- 38)- وعبارة(من شيء) مع النفي = ( ما فرّطنا ) تعني- الاستغراق- أيْ: تعني أنْ ليس من شيء في الوجود- إلا وله أصل في القرآن – إثباتاً أو نفياً – أي: باعتبارُهُ صحيحاً أو باعتبارُهُ كذباً – باعتباُرُهُ- باعتباره صواباً أو باعتباره خطأاً . ولذا .. لا يصح (على ) الرسول المعصوم شيء ليس له أصل أو إشارة في القرآن . وما قيل من ضرْب قريش للرسول المعصوم-أو من إهانته – (حاشاه) ليس له – لا أصلُُ ولا أشارةُُ في القرآن . وإذن – فكل ما قيل في ذلك ..كذبُ. ( وأنا – لي كتاب مخطوط من عَشَرَةَ أجزاء عقدته على تبيين هذه الحقيقه )
- دليل ضخم :
- الدليل الضخم الذي يسع الدنيا كلها هو ما ورد في القرآن الكريم :
أولاً – بقوله تعالى: (... والله يعصُمكَ من الناس)- في الآية التي مطلعها) يا أيها الرسولُ ، بلَّغْ ما أُنزلَ إليكَ من ربّكَ . وإنْ لم تفعَلْ فما بلغّتَ رسالتَهُ ، والله يعصِمكَ من الناسِ )- (المائدة-67)- وثانياً- بقوله تعالى: ( وإذا قرأتَ القرآن جعلْنا بينَكَ وبينَ الذينَ لا يؤمنونَ بالآخرةِ حجِاباً مستوراً ) – ( الإسراء-45) .
- قال السابقون: ( واللهُ يعصُمك من الناسِ ) – أيْ: يعصمك من القتل-!- يا للعجب-!!- الله- جلّ جلالُهُ يقول : ( والله يعصمك من الناس )- وهم يقولون: والله يعصمك من القتل- !!- لماذا قالوا : من القتل ؟- والله يقول: من الناس؟ - أتدري لماذا ؟
- لكي يُبقوا الأكاذيب التي تقول: ضَرَبَ بعضُ أهل مكّةَ المكرّمة – الرسولَ ( المعصوم) وأهانوه ؟!- لأننا أمّة تقليد، وتصديق. فلا يكاد جمهور العلماء يكونون قادرين على الشك والنقد، وإنما هم مسكونون بالغفلة والتصديق. وحتى الإمام أبو حامد الغزالي ( ت- 505) – الذي كان مسكوناً بفكرة الشّكّ- كان ثلث الأحاديث التي أوردها في موسوعته (إحياء علوم الدين )- صحيحاً – وثلثان غير صحيحين – حَسَبَ تخريج القُدامى . وقد سبق الغزالي - الفليسوف- ديكارت- الفرنسي- بخمسة قرون- فالغزالي- أبو الشكّ ، وإن كان قد سبقه الجاحظ العظيم( -ت 255)
- وأسأل أصحاب العقول ( وفي القرآن.. قُرابةَ ألف آية- تحثّ على استعمال العقل- بألفاظ مختلفة تعود إلى معنى- التعقل والتفكّر ، والتدبُّر) = أليس الله – عزَّ وَجَلَّ – القائلُ عن نفسه: ( وما كانَ الله لِيعجزَهُ من شيءٍ في السماواتِ ولا في الأرضِ ) –(فاطر -44) – بقادر على أن يقول: ( والله يعصمك من القتل ) – بَدَلَ :(والله يعصمكَ من الناس ) ؟!!- إذن.. كلُّ كلام ، بَعْدَ كلامِ اللهِ – رَدٌّ ، باطلٌ ...
- أما رسولنا الحبيب المعصوم.. فلا يقول قولاً، ولا يفعل شيئاً ، ولا يقرُّ شيئاً – لا يتفق مع كتاب الله العزيز ، عندما سُئلت عائشة – رضي الله عنها – عن خُلُقهِ – صلى الله عليه وسلم – قالت : (كانَ خلُقُهُ القرآن )(1)
- أمّا الآية الثانية : فتعني أن الله القادرَ أعطى الرسول المعصوم ما لم يُعْطِهِ غيره من الرسل - ربَّما – فإذا رأى المعصوم أحداً، ينوي مَسّهُ بسوءُ – قرأ آيةً أو بضع آيات من القرآن .. فلم يَعُدْ ذلك الشرّير مستطيعاً أن يراهُ -!!- إذن .. ألا يقبل رسولُ الله المعصوم هذه المنحة من ربَّهِ ، ويتخذها – دِرْءَاً – يحول بينه وبين أيَّ شرير؟- ثم لاحظ أن الله القادر قال (حجاباً مستوراً ) وليس ساتراً- لأن الساتر يخفي ما وراءه ، ولكن هذا الساتر يُرى . أما الحجاب المستور .. فهو يستر ما خلفه ، ولكنه هو نفسه مستور لا يُرى ..يا ألله! وليس ذلك على الله بعزيز.
وقد سجّلتْ سيرة المعصوم التي انتهت إلى ابن هشام وسُمّيت باسمه ، فقالوا (سيرة ابن هشام) – حادثتين قرأ فيهما الرسول المعصوم شيئاً من القرآن .. فلم يَرَهُ الخصمُ- الأولى : عندما دخلت أم جميل ،حمالةَ الحطب المسجد الحرام- ومعها حجر تنوي أن تضرب به المعصوم- حاشاه – فعندما كان بينها وبينه بضعة أمتار لم تَرَهُ... والثانية = عندما أحاط بداره شباب من كل عشائر قريش- ما عدا بني هاشم – نيَّةَ قتلهِ – ( حاشاهُ) ليلةَ الهجرة ، فخرج- صلى الله عليه وسلم- فلم يَرَوْهُ – إذْ قرأ الآيات الخمس الأول من سورة – يس-(1) – أي : كان الرسولُ – خلقُهُ القرآن – فالرسولُ : اسم كان مرفوع.
- خلقُهُ = خلق = مبتدأٌ ثانٍ مرفوع. والهاء= ضمير متصل مبني على الضم ، في مَحَلّ جرً مضافٌ إليه . القرآن= خبر (خُلُقُ) مرفوع- والجملة ( خلقُهُ القرآن) – في محل – نصب- خبر ( كان).
ثانياً - ولولا هذا ...
لولا آية البقرة [ ذلك الكتابُ لا ريبَ فيه ]= لما صَدّقوا أن ليس – في الدنيا – كلها – كتابُُ لا يخلو من
( الرَّ يْب) سوى القرآن .– . وإن (أل) التعريف في (الكتاب) تعني العهد والحصر، التميّز والتفرُّد ،تعني أن هذا الكتاب لا ريبَ فيه، وأن أيَّ كتاب – على الإطلاق- بعدَه ، فيه- ريبٌ. سواءٌ أكان كتاباً في الحديث- كلَّ كتاب في الحديث، وأيَّ كتاب آخر- أكان في التاريخ أم في الفقه أم في الفكر... إلخ .
ولو جاء التعبير هكذا ( ذلك – كتابٌ- لا ريبَ فيه) – لما نفى أن ثَمّةَ بعضَ الكتب التي لا ريب فيها ، لأن – حذف (أل) التعريف- تنفي العهد والحصر والتميز والتفرد . ولذا.. فهناك فرق هائل ، ينْقل المعنى من النقيض إلى النقيض، بين أن نقول: هذا الكتاب هو العظيم ، وبين أن نقول : هذا كتاب عظيم . العبارة الأولى تعني أن هذا الكتاب هو العظيم – وَحْدَهُ- دون سائر الكتب ( ولو من وجهة نظر القائل ) . أمّا العبارة الثانية .. فلا تعني إلا أنه كتاب عظيم من كُتب عظيمة أخرى- سواءٌ أكثرت أم قلّت .
هذا .. في كلام البشر- يكون الكتاب ( المعرف- بأل) – هو العظيم وَحْدَهُ – من وجهة نظر القائل- لكن ، عندما يكون الكلام كلامَ الله .. فتفرّد ( الكتاب) – بالعظمة أو أنه – لا ريَب فيه – هو قول – مُطلق – لا مُعقّبَ عليه، ولا يصحّ شيء غيرُهُ - أبداً ، ولا استثناءَ عليه .
خُلاصةُ ما تقدم :
أنه من مجافاة العقل والدين أن يظنّ أحدٌ أن هناك كتاباً – سوى كتاب الله – ليس فيه- ريبٌ . وأنه من مجافاة العقل والدين والواقع أن يظنّ أ حدٌ .. أن بشراً – ما- من أهل مكة المكرمة ( أو غيرها) قد ضرب الرسول المعصوم أو أهانه – حاشاه .
والله تعالى أعلمُ