هل تهدد مقترحات كيري مصالح الأردن الحيوية؟
ناصر لافي
06-01-2014 08:40 PM
تتناقل أوساط اعلامية أمريكية وإسرائيلية بأن وزير الخارجية الأمريكي جون كيري طرح في جولته الراهنة في المنطقة ما يوصف برزمة حلول جديدة لتذليل عقبات المفاوضات من بينها تغيير حدود 67 بإضافة بعض مناطق الكتل البشرية الفلسطينية داخل الخط الأخضر مقابل ضم الكيان الاسرائيلي للتجمعات الإستيطانية الكبرى في الضفة (بما يحقق مشروع يهودية الدولة)،وانهاء ملف اللاجئين بعودة من لا يمتلكون جنسية أخرى فقط،وتواجد قوات مشتركة أمريكية إسرائيلية أردنية في الأغوار،وتدويل الحرم القدسي،وممر بين الضفة وغزة.
هذه المعطيات إلى جانب تسارع جهود الخارجية الأمريكية وتصريحات الأطراف الفاعلة حول أمكانية حدوث إختراق تثير المخاوف بالفعل من احتمالية الإستيقاظ على "طبخة كبرى" ترسم مستقبل المنطقة بما في ذلك هوية ومصير ابنائها.
محلياً،تشير التسريبات بأن الأردن سيكون جزءاً محورياً من الترتيبات النهائية،والسؤال هنا هل سيضمن هذا الدور مصالح الأردن أم سيكون على حسابه،وماذا عن حقوق اللاجئين الفلسطينيين الموجودين على أراضيه ،وما مصير باقي اللاجئين في الدول المجاورة في لبنان مثلاً،وهل ثمة مخاطر من تواجد قوات أردنية في الضفة الغربية، وهو الأمر الذي طالما رفض سابقاً، وما طبيعة التواجد الأمريكي على الحدود،وهل يعني ذلك قواعد أمريكية للتمركز والإمداد على الأراضي الأردنية خصوصاً بأن بعض التقديرات تشير الى قوات تقارب تلك التي خاضت حرب الخليج الأخيرة، وما هي مخاطر قيام دولة فلسطينية منقوصة السيادة ممزقة الأوصال ترتبط عضوياً بالخارج لإستمرار الحياة فيها على الأردن،وماذا عن مشاريع الفدرالية والكونفدرالية ونحوها ما بعد إنجاز الصفقة؟
المشكلة الرئيسة في هذه اللحظة التاريخية العربية البائسة بأن الجميع يدرك بما في ذلك المستوى الشعبي بأن كل الحلول السياسية ستكون لصالح الطرف الاسرائيلي،فهل ثمة متفائل مثلاً سيقول لنا بأن اللاجئين سيعودون الى ديارهم،أو أن دولة فلسطينية ذات سيادة ستقوم لها قائمة؟.
أردنياً،فالدور المحوري الفاعل الآن في المفاوضات وحماس من يديرونه لإنجاح جهود كيري يمثل مخاطر جمة من قبيل قبول الأردن بشكل من أشكال التوطين المباشر أو غير المباشر أو الاستجابة لإقفال هذا الملف دون حل منصف،وقبوله بدور أمني في الضفة ،واستجابته لاقامة قواعد مراقبة امريكية على اراضيه لحل عقبة الأغوار، هذا طبعاً فضلاً عن تبعات تحمل مسؤولية ما يصفه المعارضون للتسوية بتصفية القضية الفلسطينية.
حتى اللحظة لم تتسرب اشارات حول موقف الأطراف المعنية الأردن والسلطة الفلسطينية والكيان الإسرائيلي ازاء هذا العروض المفترضة،ولكن بنظرة أولى على المقترحات فإن الكيان الإسرائيلي سيكون الرابح الأكبر ،إذ سيضمن تحقيق مشروع "يهودية الدولة" وإقفال ملف اللاجئين ،وحماية أمريكية عربية مباشرة مجانية ستحقق له مطالبه الأمنية،ويحافظ في ذات الوقت على عزل ما سيطلق عليه دولة فلسطينية عن محيطها ،بما يحيل مدن الضفة الغربية الى اشلاء غير متواصلة جغرافياً في إطار كيان لا يمتلك مقومات الحياة دون إمداد من الخارج،وهكذا ستؤول الأمور الى سيطرة إسرائيلية شبه تامة على كافة المرافق.
أحد المقترحات المفترضة،يقضي وجود قوات أمريكية عربية إسرائيلية كبيرة في الأغوار، والمرجح والحال كذلك بأن الأمر يتطلب قواعد أمريكية للتمركز والإمداد في كل من الاردن والضفة الغربية والكيان الإسرائيلي تضم آلاف الجنود وأسلحة ثقيلة وطائرات،بحسب صحيفة "كريستيان ساينس مونيتور" الأمريكية الصادرة مطلع هذا الأسبوع،فهل سيشكل ذلك حدثاً نافعاً أم ضاراً؟،وكيف سينعكس على استقلال قرار دول المنطقة وأمنها؟.
عملياً فمثل هذه القاعدة العسكرية الضخمة تشكل من وجهة النظر السياسية والعسكرية والاستراتيجية قوة مادية على الأرض من شأنها الإنتقاص من السيادة ،لاسيما بأن الحديث عن القوة الأولى في العالم.أما أمنياً فالأمريكيون ذاتهم يحذرون،من تحوِّل قواتهم إلى هدف واضح للهجمات.فماذا عن البلدان التي ستحتضن مثل هذا الوجود،هنا تبرز أسئلة من قبيل،هل سيثير وجود هذه القاعدة الأمريكية الضخمة شهية الحركات الجهادية في المنطقة مثلاً ،وهو الأمر الذي يعني إستهداف أمن الحديقة الخلفية،وتحويل الأراضي الأردنية إلى ساحة مباشرة للإشتباك مع أمريكا كما حدث في العراق وافغانستان والصومال ..الخ.
صحيح أن قوات أمريكية تواجدت بل ربما تتواجد حتى اللحظة في الاردن تقوم بتدريب قوات الأمن الفلسطينية،وربما المعارضة السورية ،وسبق ان كان هنالك تواجد لمثل هذه القوات خلال احتلال العراق وما بعده، لكن هذه العمليات كانت ولا تزال سرية ومحدودة ومؤقتة وغير معلومة الأماكن ولم تكن بالحجم الذي يحمله السيناريو المطروح.والمحللون الأمريكيون المشار اليهم سالفاً يعلقون بلفت الإنتباه الى ان هنالك فروقات بين تواجد قوات للتدريب والدعم اللوجستي وأخرى منتشرة في أماكن حدودية واسعة ومعروفة.
العجيب بأن السيناريوهات المطروحة تلاقي معارضة أمريكية وإسرائيلية داخلية ،بينما تشير صحيفة "كريستيان ساينس مونيتور" بأن بعض الأفكار مقبولة عربياً،وهنا يجدر التنويه الى ان حماية هوية وسيادة الأردن مثلاً تقتضي رفض التنازل عن حقوق اللاجئين ويهودية الكيان الاسرائيلي وإقحام الأردن في المعادلة الداخلية الفلسطينية بحيث يلعب دور الشرطي الحامي للكيان الإسرائيلي وتواجد احتلال أمريكي جديد تحت غطاء تأمين الأغوار،بصرف النظر عن المبررات،ومن نافلة القول أخيراً بأن على الأوساط الشعبية إستشعار خطورة هذه الإحتمالات التي تبدو قريبة ومواجهتها.