من أمن العقوبة أساء الأدب
المهندس مصطفى الواكد
06-01-2014 02:59 AM
تلك مقولة تناقلها الآباء عن الأجداد ، لا ينكر حكمتها إلا فاسد يريد الهروب من العقاب أو مسؤول يخاف أن تطاله يد القانون إن كان شريكا لفاسد أو كان مرتعبا من سطوة آخر بيده إقصاءه من موقع يشغله ، فالنفس البشرية قد تكون أمارة بالسوء ولا يردعها عن إيذاء الناس ونهب أرزاقهم وإفساد أمورهم سوى الخوف من العقاب وسطوة القانون فالسارق لا تردعه سوى العقوبة والمرتشي كذلك وحتى القاتل المجرم قد يفكر ألف مرة في ما سيناله من عقاب قبل أن يقدم على جريمته ولولا أمله في النجاة لسبب من الأسباب لعدل عن جريمته .
أسوق هذه المقدمة وأنا أرى الفاسدين والمقصرين بواجباتهم يسرحون ويمرحون ويتنقلون من موقع لآخر يرتقون في المناصب دون خوف أو وجل ، وقد تصل فيهم الجرأة حد الإعتراف بجرائمهم أو السكوت على جرائم غيرهم طالما أمنوا العقوبة ولم يجدوا من يسائلهم ، وليس أدل على ذلك من مسؤول يعترف بتزوير الإنتخابات النيابية في عهده ، أو تصريح لوزير البلديات الحالي يعترف فيه صراحة بأن انتخابات البلديات للعام 2007 كانت مزورة ! ويمضي ذلك التصريح كلاما في الهواء دون أن يستوقف أحدا من أولي الأمر ليسأل ويحاسب ويعاقب ! فأين حقوق من ترشحوا في تلك الإنتخابات ؟ ومن يعيد لهم ما تحملوا من جهد ومصاريف في حملاتهم الإنتخابية ؟ ومن يعوض الناخبين عن جريمة تزوير إرادتهم ؟ بل وأين كرامة من نجح بنزاهة في تلك الإنتخابات . وقد اعترف نفس الوزير أيضا بأنه وخلال العاصفة الثلجية الأخيرة بأن بعض رؤساء البلديات أغلقوا هواتفهم ولم يتواصلوا مع غرف العمليات ! فهل قام معاليه بمحاسبتهم على ما علم من تقصيرهم ؟
عندما يعلن وزير التربية والتعليم أن 22% من طلبتنا لا يجيدون قراءة الأحرف ! أليست تلك جريمة كبرى بحق الأجيال وبحق الوطن ؟ من سيحاسب من كان سببا في ذلك ؟ ومن سيسأل عن أعداد من وصلوا إلى الجامعات من طلبتنا وهم على هذه الحال ، وكانوا سببا رئيسا في إشعال ما نعاني منه من عنف جامعي شوه التعليم العالي في بلدنا . أما حرب التوجيهي الشاملة ، فتلك مصيبة المصائب ، ألم تكن وزارة التربية ذاتها وذات موظفيها هم من أداروا امتحانات السنوات السابقة وتراخوا في ضبطها ومنع الغش فيها ! فماذا فعل الوزير بحقهم ، وأين الحلول التربوية والسلوكية والقيمية مقدمة للإجراءات الأمنية .
قصة أخرى في تصريح لمدير دائرة المواصفات والمقاييس يقول فيه أنه تعرض لضغوط كبيرة وقاسية للموافقة على إدخال اسطوانات للغاز غير مطابقة للمواصفات وغير آمنة للإستعمال لعيب مصنعي فيها ! نحيي صموده في وجه تلك الضغوطات وإصراره على قرار منع دخول الإسطوانات لمنازلنا ! لكن أليس من حقنا عليه تعرية الجهات الضاغطة وتحويلها إلى القضاء لكشف دوافعها ومعاقبتها ؟
كثيرة هي القصص والدلائل على غياب الحساب والعقاب ولا مجال لحصرها هنا ، لكنني أذكر بما ورد على لسان الوزير السابق محمد نوح من اتهام لمدير حساباته بعرض رشوة عليه قيمتها فقط سبعمائة ألف دينار ! لمَ لم يحاسب معاليه ذلك المدير حين كان مسؤولا عنه؟ وأين الجهة المسؤولة عن محاسبة الوزير إن كان مفتريا أو ملاحقة المدير إن صدق الوزير .