هي الدولة الإسلامية في العراق وبلاد الشام، والتي لم تصبح «بعد» عضواً في جامعة نبيل العربي، الذي اسهم ورهط الحلف الجهنمي الذي انحاز اليه لتدمير سوريا ونقض عراها وتحويلها الى ساحة للقتل والتطرف واستباحة الحرمات وقطع الرؤوس وأكل الأكباد.. لكنها (داعش) وليس جامعة العربي، غدت شاغلة الناس والإعلام والمجالس، مجالس العزاء، كما تلك المكرسة للثرثرة والنميمة، ودائما في مجالس الندوات والتنظير والفذلكة الكلامية، واللغو الفارغ، التي لا ينقطع روادها عن قول كل شيء وكأنهم لم يقولوا شيئاً، كما يلحظ كل من يحضرها أو يقرأ «أوراقها» وأي تغطية.
يُسأل صاحبنا عمّا إذا خرج بنتيجة ما، فيقول لك بارتياح. خرجت كما دخلت، لم أفهم شيئاً ويبدو ان اصحابها لا يتوفرون على شيء. وانتم وما تشاهدون - في فضائيات الكلام والشحن الطائفي والمذهبي العربي، كذلك في ما تقرأون من لغو وتطرف، وما تسمعون من شتائم وتكفير واحتكار للحقيقة، وكل ذلك والأنظمة العربية في نعيم (موهوم ومؤقت بالطبع) ما دامت الهراوة في يد الشرطي، وما دامت الرصاصة على أهبة اصطياد الطرائد (البشرية) وفي المجمل، ما دام المحتجون في الشوارع-على قلتهم-يُطلقون حناجرهم ويتفرقون، وهذا ما استقر عليه المشهد العربي في معظمه، اللهم إلا في ما اشعله بعض العرب في «ساحات» عربية، وحاولوا وما يزالون دون نجاح أي عملية اطفاء او تبريد او ابعاد للزيت على النار وللقنابل، عن حصد المزيد من ارواح السوريين والعراقيين والمصريين، فيما عزيزنا الجديد «جون كيري» يواصل جولاته المكوكية، مُبشراً بالسلام ومروّجاً لـ»كلبشات» برّاقة، تبدو لمن لا يدقق فيها انها «ذهبية»، لكنها لمصادرة الحقوق والتفريط بالثوابت وتكريس الدولة الصهيونية الفاشية دولة اقليمية كبرى تكتب بإرهابها وبساطير جنودها وضخامة ترسانة القتل لديها تكتب جدول اعمال المنطقة، وتفرض على دول الجوار - كما كندا واستراليا - شتات الفلسطينيين الذين حلموا بالعودة وظنّوا انهم بتحويل انفسهم الى «وقود» للثورة، إنما يُسرّعون بتحقيق الحلم، فإذا بالذين تصدروا الثورة يصادرون عليهم هذا الحق ويرون فيها - كما ترى اسرائيل - كمّاً بشريّاً يمكن أن يجد له أي مكان وأي جنسية في بلاد الله.. الواسعة.
هل نسينا «داعش»؟
بالتأكيد لا، فهي جزء من المخطط وتلتقي عنده في النهاية، والذين اوجدوها «وشقيقاتها» هم انفسهم، الان الذين يعكفون على اعادة رسم خرائط المنطقة، وكلها كما يرى الجميع «الان» تبدأ وتنتهي بفلسطين، وما تبقى مجرد تفاصيل ومشاهد تكميلية، وإلا كيف يمكن تفسير كل هذه الحماسة لدى رئيس الدبلوماسية الاميركيون المرشح الرئاسي الخاسر والحالم بالمكوث في البيت الابيض رئيسا والمتطلع بشغف الى حمل جائزة نوبل للسلام، كي «يُنفق» كل وقته لحل «مشكلة» استعصت على سابقيه الذين قدموا عروضاً «وأُطراً» اكثر «سخاء» للفلسطينيين، لكنها كلها لا ترقى لأبسط حقوقهم، وخصوصا ان اسرائيل رفضتها ورمت بها «كلها» الى سلة المهملات، فلم يجد هؤلاء- وسطاء السلام النزيهون حتى لا ينسى احد-سوى تحميل المسؤولية للضحية وتكرار مقولة ايهود باراك «لا يوجد شريك فلسطيني.. لإسرائيل»..
«داعش»... في الساحات وعلى كل الجبهات، وابطالها يسطّرون الملاحم، يرفعون أعلام القاعدة ومن على منابر المساجد يعلنون الإمارات المستقلة (آخرها في مدينة الفلوجة، وما ادراك ما الفلوجة التي ارتكب فيها الأميركيون جرائم ضد الإنسانية، وحرب إبادة)، وكانوا قد اعلنوا إمارة أخرى في محافظة الرقة، وغيّروا الأسماء والأعلام.. ثم بشروّنا بأنهم «قرّروا» رسميّاً الدخول إلى لبنان عسكرياً!
لم يبق سوى الاعتراف بها ممثلاً شرعياً وحيداً للإسلام السُنيّ، أو ربما «السُنّة» في العراق وبلاد الشام، كون الذين يُموّلون ويُروّجون ويُسلّحون ويدعمون، هم من يحفل خطابهم بالمفردات والمصطلحات التكفيرية الحاضّة على القتل والشاحنة للغرائز والعاملة بكل حقد على التجييش والتحشيد واثارة الغرائز وبث الكراهية.
أسوأ ما في المشهد المأساوي الذي تعيشه المنطقة، هو هذا التواطؤ الاجرامي الذي تمارسه اطراف المعارضات السورية الخارجية التي كانت «وجدت» في قدوم هؤلاء القتلة الى سوريا واستباحتهم ارضها واعراضها وسيادتها، ومصادرتهم لحريات الناس وخصوصياتهم، وجدت فيهم عونا وشركاء لاطاحة النظام، وما تزال كلمات الشيخ المناضل (الساذج كما يجب القول) احمد معاذ الخطيب، حاضرة عندما قال امام مؤتمر «اصدقاء» سوريا وبعد ان قامت واشنطن بوضع «جبهة النصرة» على قائمة المنظمات الارهابية، «أن هذه المنظمة غير إرهابية ومجاهدة وتساعدنا لدحر النظام»..
الآن وبعد ان لم يعد ثمّة ما هو غامض او خفي، وبعد ان خرجت «المعارضات» من «المولد بلا حمص»، او قُل باتت عارية حتى من أوراق التين، يخرج علينا اليساري المتأمرك «والرجعي ايضا» ميشيل كيلو، ليسأل في مقال «يهطل» تنظيراً وخداعاً، عمّا إذا كانت داعش فصيلاً معارضاً... أم لا؟
الجواب عند جورج صبرا، وبرهان غليون، وخصوصاً المجاهد الأكبر أحمد عاصي عوينان الجربا دون ان يستثني كيلو.. نفسه.
(الرأي)