في الأخبار أن الجهات المختصة حولت إلى مجلس النواب قيمة مخالفات السير التي ارتكبها بعض السادة النواب خلال العام المنصرم، والتي بلغت مائة ألف دينار، وهو رقم يدل على كارثة حقيقية، ليس من الناحية المادية المتمثلة بضخامة المبلغ، ولكن الكارثة تكمن في الدلالات الأدبية والمعنوية لهذا المبلغ وأولها: حجم استهتار بعض السادة النواب بالقوانين والأنظمة المرعية، ومخالفتهم لها، وقانون السير مثالٌ واضحٌ وصارخٌ ومؤذٍ على ذلك. خاصة إذا أخذنا بعين الاعتبار أن مبلغ المائة ألف دينار لا يمثل الحجم الحقيقي لمخالفات بعض السادة النواب لقانون السير وأحكامه، فبالتأكيد هناك مخالفات تم دفعها، وأخرى تم شطبها، وثالثة لم تُحرر أصلاً عندما اكتشف رقيب السير ان صاحب السيارة عضوٌ في مجلس النواب، وبالتالي فإن الحجم الحقيقي لمخالفات بعض السادة النواب يفوق المائة ألف دينار.
ومن ثم فإن استهتارهم بالقانون أكبر من الدلالات التي يعطيها رقم المائة ألف دينار، الذي يجب ان نتوقف عنده طويلاً لنتساءل هل يُعتبر بعض السادة النواب أنفسهم فوق القانون؟ ومن ثم فإن من حقهم ان يخالفوا القوانين، ومن بينها قانون السير في بلد اعتاد الناس فيه ان يشاهدوا ملوكهم وأمراءَهم يقفون على الإشارات الضوئية احترامًا للقانون. فهل يعتقد بعض النواب انهم طبقة تتقدم على طبقة الأمراء في التعامل مع القانون؟!.
سؤال آخر يطرح نفسه هو: هل فات بعض السادة النواب أن القوانين تُسنُّ لتطبق، وان القيمة الحقيقية للنص التشريعي تُستمد من تطبيقها؟ لأن التطبيق هو الذي يحدث الأثر المطلوب من النص التشريعي.. وهذه حقيقة تنسحب حتى على النص؛ لذلك قيل:»إن الله ليزع بالسلطان ما لا يزع في القرآن» وهل فاتهم أيضاً ان المشرع هو أولى الناس بتطبيق التشريع والتقيد به؟ لذلك كان رسول الله محمد عليه السلام يقول:»إنما أهلَك الذين من قبلكم إنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد وأيم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها «(متفق عليه). وهذا الحديث النبوي الشريف يتضمن قاعدة من أهم قواعد استقرار المجتمع وتطوره، وهي قاعدة تساوي الناس أمام القانون.
وهو بالضبط ما ذهب إليه المشرّع الأردني عندما نص على أن الأردنيين أمام القانون سواء، وهذا يعني ان يحترم الناس جميعهم القانون ويتقيدوا بأحكامه حتى لا تقع عليهم عقوباته، وأولى الناس باحترام القانون هم أعضاء الهيئة التشريعية التي تقر القوانين.
سؤال ثالث يثيره أمر مخالفات بعض النواب لقانون السير هو: هل فات بعض السادة النواب أن الوظيفة الأساسية للنائب، هي التشريع والرقابة التي تعني مراقبة مدى تقيد السلطات بالقوانين والأنظمة النافذة؟ فإذا كان المكلف بالرقابة على تنفيذ التشريع هو من يخالفه فكيف يستطيع القيام بمهمة الرقابة على الآخرين، وقد تعلمنا أن القدوة هي أفضل وسيلة للقيادة والتربية، وكنا نأمل أن يكون أعضاء مجلس النواب، بسلوكهم وتقيدهم بالقوانين أسوة حسنة لسائر المسؤولين أولاً، ولكل المواطنين ثانيًا، وهذا ما لم يفعله بعض السادة النواب، بدليل حجم مخالفات قانون السير التي نشرت على الملأ، في الوقت الذي يتهامس فيه الناس عن مخالفات أخرى لقوانين أخرى يرتكبها بعض النواب.. مما صار يوجب على هيئة المجلس، ان تلفت عناية أعضائها إلى ضرورة التقيد بأحكام القوانين الصادرة عنها. حتى تتمكن من مراقبة مدى تقيد السلطات الأخرى بهذه القوانين، وحتى يقتنع الأردنيون بأن لديهم نوابًا يشرعون ويراقبون لا نوابًا يخالفون ما يشرعونه.
(الرأي)