منذ سنوات وحتى اليوم ، وأنت تصادف السؤال المحيّر الذي نجيب عليه حسب فهمنا لما يجري وحسب نوايانا ، إنهم يسألونك : لوين رايحه الأمور ؟ أو أقلها : كيف شايف الوضع ؟ فتبدأ بتشغيل محركات البحث في دماغك علّك ترسم أول مفاتيح الشرح وأحيانا كثيرة تشرح وتحلل لأشخاص غير معنيين ومن كان معنياً تماما يبدأ بمقاطعتك بجمل معترضة على ما تفضلت به حضرتك ثم لا تصل الفكرة أبداً، كل هذا دون أدنى إعتراف بأننا لا نفهم في هذا الشأن أو أننا أخطأنا هنا و فشلنا هناك ، فجميعهم يعرف كل شيء ويفهم كل شيء ولا يخطئون أبداً ثم كلما تقدمنا خطوة أعادنا أحدهم خطوات بجرّة قلم، وهنا مشكلتنا مع من لا يفهم.
إن مجرد الحوار مع مسؤول معني بملف ما يمس شريحة كبيرة من المواطنين ، تجده يبحث لك في قاموس الإستنباط ومعاجم الإستعباط عن جمل وأفكار تصطف كطوابير قوة مكافحة الشغب ، في صراع مع حوارك ليطيح بما تحمله من أمل لمحاولة تغيير واقع ما، إنه لا يريد حتى أن يقنعك ، إنه يريد أن يهزمك شرّ هزيمة ،ويخرج منتصرا، فرغبته في البقاء كمسؤول أولا وفي محاولة للبقاء مسؤولا يتدافع لأن يكون خط هجوم وهناك من زملائه يشكلون خط دفاع، وبين هؤلاء وأولئك تضيع الفرصة علينا بإصلاح أحوالنا سياسيا واقتصاديا واجتماعيا.
للنظر الى الحكومات ، فبمجرد ما تشكل حكومة ما ، ويأتي فيها وزراء، حتى يخرج عليك أحدهم ليدلي بتصريح يؤكد فيه أن الحكومة تعمل بكل طاقتها لإنهاء الأزمة وحل المشكلة ومعالجة القضية وهي تتفهم مطالب المواطنين وستعمل على تغيير شامل في المعيقات المتراكمة التي تعيق الإصلاحات التي تتبناها الحكومة وتسمع منه ومن غيره تصريحات وردية وليلكية وكأنه وزير عتيق ، ثم تستقيل الحكومة ويذهب الى حيث كان في ركن هادىء ولم يفعل شيء ، ولم يحدث أي تغيير لأنه ببساطة لم يفهم أي شيء.
ولأن الأشياء بالأشياء تذكر ، فإن الأسماء بالأسماء تذكر أيضا ، فهناك أسماء حكمت في المناصب العامة ثم خرجت ولم تزرع شجرة على طريق الدولة ، ثم استمتعت بالخروج على الناس عبر أي منبر إعلامي أو تلفزيوني ، لتناكف وتنّظر وتنتقد ، أو تطرح أفكارا لم نسمع بها من قبل، وهم بالمناسبة لا يسألون حتى عن مستوى المنبر الذي يطلون منه ، أو توجهات تلك الوسيلة أو مدى مصداقيتها أو مهنيتها ، ومجرد ما يوجه مدير مكتب وزير معني أو مسؤول ما دعوة لهم ، تراهم يتراكضون اليهم، لا لشيء ولكن حتى يكونوا متواجدين ولو في حفل شاي على شرف ضيف من الدرجة العاشرة.
أن المشكلة ليست مع الحكومات ومناصبها ، بل إن مشكلتنا مع بعض شخوصها الذين لا يرون المشكلات، فنحن نبحث عن رجال تجري نار الغيرة على الوطن مجرى شرايينهم ، يشعرون بالمسؤولية عن نعجة نفقت عند راع في أقصى أودية الوطن ، لأن فقدانها يعني فقدان شيء من إقتصاد الوطن.
علينا تغيير مفاهيمنا وأساليب تفريخ وإنتاج المسؤولين، وأن ننقلب على أنفسنا لا أن نغير الأشخاص لنأتي بمثلهم ، ثم نتركهم يقودوننا الى مساقطنا بدعوى الثقة بالخطة الحكومية، إن كثيرا ممن أوصلونا الى أزماتنا ، هم أشبه بالضرير الذي يقود المركبة، ثم لا يحترم مسؤوليته تجاهنا ، بل يكتب على زجاج مركبته الخلفي : لطفا السائق ضرير ، ونحن نقول للمسؤولين :الفيل في وسط الطريق فهل رآه أحد؟!
Royal430@hotmail.com
"الرأي"