الرفق بالحيوان قبل الرفق بالإنسان!!
خالد محادين
07-02-2008 02:00 AM
لا أدري كيف قفزت الصورة من الذاكرة لتنتصب أمامي كأنه لم يمر على الحادثة سوى عشرة أيام و ليس خمسة و خمسين عاما.لم أكن قد بلغت العاشرة و كنت أجلس الى جانب والدي –رحمه الله- الذي كان بائعا للخضارفي الشارع الرئيس لمدينة الكرك عندما نزل من أعلى الشارع رجل يصرخ و يولول و أحاول أن أستوعب ما يقول و لكنني أفشل و من تعليقات والدي و من كان حوله في الشارع فهمت أن الرجل كان يصرخ محتجا لأن زوجه قدمت شكوى ضده لدى "المتصرف" تطالب بموجبها نفقة منه أما الرجل فكان يصرخ و يعلن بأعلى الصوت أن زوجه تطالب ببدل علف منه!!
كان الرجال يضحكون و كان الرجل لا يتوقف عن السير في تظاهرته وحيدا حتى بدأ جسمه في الإبتعاد و صوته في الخفوت و قبل أيام قفزت تلك الصورة.
أما دواعي قفزها فهي ما يتردد الآن عن أن الحكومة التي تعرف بالتأكيد أن غالبية المواطنين الأردنيين لا يحصلون على علف لبطونهم سيتم قريبا تكليفهم بالمسؤولية عن علف الحيوانات الأليفة كالخراف و النعاج وكالتيوس و الماعز و كالعجول و ألأبقار و بهذا يدخل بلدنا – بلد العجائب – موسوعة جنيس كأول بلد متحضر في العالم يقدم الرفق بالحيوان على الرفق بالإنسان و أن ينام مائة رجل و إمرأة و طفل بلا عشاء هو أفضل من أن ينام خروف أو تيس أو عجل على جلد بطنه.
إذا وصلت الأمور الى هذا الحد فإن في إنتظارنا ما لم يتوقعه أحد و ما لم يسبقنا إليه أحد و قد حدثني صديق عن مخاوفه عند مغادرته بائع خضار – أو مخزنا تجاريا فيستوقفه رجل يبرز له بطاقته الرسمية كموظف في الضرائب أو في الدخل أو في الجمارك و يقوم بتفتيش ما يحمل فيأخذ من كيس البندورة حبتين و من كيس البطاطا حبتين و من كيس الكوسا أو الباذنجان أو الخيار حبتين من كل نوع و إذا كان يحمل كيس خبز أخذ منه رغيفا عن كل كيلو أو كان يحمل زيت ذرة أفرغ منه عبوة تعادل حجم كأس ماء في برميل صغير و عندما ينتهي الموظف من إستيفاء كل ما سبق يحرر وصلا باسم المواطن موقعا من وزير المالية و مدير الزكاة ووزارة التنمية الاجتماعية ووزارة الدفاع و كل الدوائر و المؤسسات ذات العلاقة!!
لا أبالغ عندما أصرخ أن المواطن الأردني يتعرض لعملية نهب تستند الى الأنظمة و القوانين و أن ما هو قادم على الطريق سيكون كارثيا و لكنه لا يعني توقف المسؤولين عن الإشادة بوعي المواطن و صبره و استعداده لإنتزاع اللقمة من فم طفله أو طفلته ليقدمها للحكومة.
من المؤكد أن أحدا مسؤولا لا يفكر بخطورة التعامل الخاطىء مع قضية الأمن الوطني و أن المسؤولين في غالبيتهم يعتبرون التظاهرات أو الهتاف لعروبة فلسطين أو إعلان التعاطف مع أهل غزة أو الوقوف ضد الإستعمار الأمريكي أو البريطاني للعراق و الفتك بمليون عراقي هو هذا الأمن و يغفلون أن الجوعى هم أخطر أعداء الأمن و أن بكاء طفل في حاجة الى حليب أو دواء أو كتاب مدرسي هو ما يزرع المتفجرات تحت تراب الوطن و أمنه و إستقراره و تزداد كل هذه الأمور خطورة كلما أمعن مسؤول في تجويع المواطن و إحتقاره و التعامل معه كجثة هامدة لا تئن و لا تشكو و لا تتذمر.
Kmahadin@hotmail.com