التعليـم وجـراحة التجـميل والترمـيم
د. عادل محمد القطاونة
05-01-2014 03:42 AM
التعليم بكافة أشكاله وفئاته كان ولا زال مفصلاً في الحكم على تقدم وتطور الدول وما كان للعديد من دول العالم الوصول إلى العالمية والتقدم إلا من خلال الإرتقاء بالتعليم وبالمؤسسات التعليمية القائمة لديها ، فالولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا والمانيا واليابان وغيرها من دول العالم المتقدم تضم في جعبتها أرقى وأضخم وأعرق المؤسسات التعليمية والتي كانت سبباً رئيساً في ما نراه من صناعات وتكنولوجيا عالمية.
لقد أقدمت العديد من دول العالم إلى إجراء بعض العمليات القيصرية في مسارها التعليمي والأكاديمي من أجل إيجاد جيلٍ أكثر علماً وثقافةً ، جيلٍ أكثر إدراكاً ووعياً لقضاياه الوطنية ، جيلٍ يؤمن بأهمية القراءة والمتابعة ، جيلٍ يسعى إلى الإبداع والإبتكار والتطوير والبحث عن المعلومة الصحيحة، جيلٍ يسعى إلى الاستفادة من تكنولوجيا المعلومات بشكل إيجابي، جيلٍ يعمل على تسخير كافة الإمكانات والطاقات بشكل فاعل وحيوي.
إن الجرأة التي قامت بها العديد من الدول في التعامل مع قضايا التعليم إستندت إلى إجراء بعض العمليات الجراحية المعمقة عندما أيقنت بأن أدوية التخدير وجراحة التجميل والترميم لن تؤدي لتحقيق الهدف المنشود وعلى الرغم من الدقة العالية التي تستوجبها الجراحات التجميلية ودورها في تجميل المواقع وترميم بعض الأجزاء ، إلا أن جراحة التجميل ما زالت قاصرة عن تجميل وترميم بعض أهم الأجزاء الحيوية في الجسم وأن واقع الجسد يفرض في كثير من الأحيان أن لا نراعي البعد التجميلي إن كان على حساب الجانب العضوي أو الحيوي .
يدرك أطباء التجميل بأن جراحة التجميل والترميم لا يمكن بحال من الأحوال ان تنقذ مرضى القلب والدماغ والكلى من موت محتم وأن عليهم إجراء نوع آخر من العمليات الأكثر صعوبة ودقة في حالات أخرى وأن هذا الجسد يحتاج إلى إجراء فحوصات أكثر وتحليلات أدق ، من هنا فإن أغلب القائمين على قطاع التعليم والتعليم العالي مدعون إلى تحليل الدراسات وقراءة المدخلات للعملية التعليمية بالشكل الصحيح وضمن رؤية شمولية تتواءم مع دراسات متوازنة من قبل القطاع العام والقطاع الخاص ومؤسسات المجتمع المدني من أجل تحديد الحاجات الحقيقية للمجتمع وقبل الدخول في أي عمليات معالجة لمدخلات غير صحيحة.
إن عمليات المعالجة للبيانات يجب أن تكفل تحقيق التنقية والتكامل والإختيار والنقل والتصنيف والربط والتسلسل والتقييم ويقودنا هذا إلى الحديث عن صناعة مخازن البيانات من أجل توحيد البيانات الواردة من المصادر المتنوعة والغير متشابهة وإستناداً إلى الإهمية واستحصال المعرفة المفيدة من خلال نماذج حسابية أو احصائية منطقية لمعالجة العملية التعليمية بالشكل المطلوب.
في خضم كل هذه المتغيرات والمعادلات بدا واضحاً للقاسي والداني أن ثمة قصوراً في معادلة التعليم فأسلوب التدريس التقليدي القائم على التلقين والحفظ وغياب البحث العلمي وعدم التواصل المستمر مع الطلبة من قبل الأطراف ذات العلاقة وغياب المدرس عن المشهد بشكل كامل وإنعدام التواصل مابين العائلة والمؤسسة التعليمية وإنعدام الثقة ما بين المدرس والطالب وإستمرار سياسة الفزعة تارة والمحاباة تارة أخرى والتلويح بالعقوبات في حالات أخرى شكلت كل منها عناصر سلبية مؤثرة في عملية الإنتاج فغدت المعادلة التعليمية هشة أحياناً والمنتج ضعيفاً في حالات أخرى !
إن دور المؤسسات التعليمية يكمن في الصقل والتطوير والتحفيز والتوجيه والبحث عن الإبداع والإنتاجية وليس دورها يكمن في توفير المساحات الكافية للمعارك والشتم وتصفية الحسابات والحقد والكراهيه ، ولعلنا في هذا المضمار ومن باب التوصيف العلاجي نطرح التساؤلات التالية: ما هو الإنتاج العلمي المقدم من قبل طلبتنا ؟ وما هي القيمة العلمية والثقافية المضافة للطالب خلال سنوات دراسته ؟ ولماذا لم تدخل أي من جامعاتنا الأردنية ضمن أفضل 1000 جامعة على المستوى الدولي حتى تاريخه ؟ وما هو الدور الحقيقي للأستاذ في العملية التعليمية ؟ وهل يعمل الأستاذ على صقل أفكار الطلبة وتنظيمها؟ وهل تقوم المؤسسات التعليمية على التعاون مع الطلبة والإستماع لهم وتقبل آرائهم وحثهم على التفكير الإيجابي؟ وهل تلعب الإدارات التعليمية على ضبط الطلبة وتعزيز دورهم العلمي والثقافي وخدمة المجتمع وترسيخ مفهوم المواطنة الصالحة وتوجيه طاقاتهم بشكل فاعل وتوسيع مداركهم وآفاقهم لكل عمل إيجابي؟
أخيراً وليس آخراً فإن لغة التحريف والتشهير والتضخيم والبحث عن الأخطاء وتحييد العلاج والحقيقة والواقع والبحث عن الحلول في العملية التعليمية هو من يقودنا إلى أهمية العلاج الجذري المستند إلى جراحة عميقة تستوجب التحليل الأكثر جرأة والأكثر دقة والأكثر حاجة وليس جراحة تجميلية تغطي بعض العيوب وتترك جوهر المرض حتى يكون الجسد التعليمي أكثر قوة وتماسكاً يملك من مقومات العمل ما يؤهله للتغلب على كافة العقبات فتتوجه الطاقات إلى مسارها الصحيح عملا وإنتاجاً للوطن.