مع بداية العام الجديد، ومع بداية كل مرحلة يحتاج المجتمع بل كل الدولة إلى جرعات أمل وتفاؤل في النظر إلى واقعها ومستقبلها، تفاؤل يقاوم ما تصنعه الأحداث والوقائع من روح تذمر وشكوى، وتصنع التوازن في نفوسنا ومسارنا وحياتنا.
التفاؤل والأمل ليس حالة إنشائية أو خطابية لكنه صناعة وعلم، مثلما تعزيز التشاؤم الدائم والإحباط صناعة وعلم وجهد منظم أحياناً فالوصول بالناس إلى حالة من التذمر والشكوى أمر يحتاج إلى وقت وجهد ووقائع، لكن الثمن كبير لان الإحباط والتشاؤم له أبعاده العامة حاضراً ومستقبلاً.
وصناعة التذمر والإحباط أكثر تأثيراً عندما يكون ممارسو التذمر هم النخب أو أصحاب مصالح من طبقة ( الكريما ) في الدولة، ولهذا يدرك البعض أو لا يدركون دلالة وتأثير أن يقول أحدهم « خربانة « وهو حكم عام على كل شيء في الدولة، أو يرفع حواجبه إلى الأعلى وهو يقول « ما في أمل « ولا يفرق أحدهم بين المصلحة الخاصة وإطلاق الأحكام التي قد تترك أثراً سلبياً لدى من يستمع إليه وبين التقييم العلمي لمواطن الخلل.
فرق كبير بين الحديث عن مشكلاتنا ومواطن الخلل، أو ممارسة النقد وكلها ضرورات وطنية وبين ترسيخ قيم اليأس والإحباط بل و ( تيئيس) الناس، فنحن لا نعيش في جنة، ولدينا مشكلات من كل الأحجام، ولدينا من تولى المسؤولية وخان الأمانة، لكن لدينا في ذات الوقت خير وإنجاز ومخلصون وأردنيون حقيقيون.
من أدق ما قيل في صناعة اليأس حديث للرسول الكريم عليه الصلاة والسلام «من قال هلك الناس فهو أهلكَهَم، أو أهلكُهُم» أي من أشاع في الناس روح اليأس والشعور بالهلاك والخراب فهو من أهلكهم، أو فهو أكثر هلاكاً.
ما بين الإفراط في التفاؤل واللجوء للمبالغات، وما بين إشاعة اليأس مساحة هي التي نحتاجها، وهي الموضوعية، لكننا نحتاج إلى جرعات أمل وتفاؤل إضافية كلما زاد معسكر صناعة اليأس وتجذير الشعور بالدمار وأن الأمور نحو الهاوية، من يمارس التطبيل والتزمير والتغطية على المشكلات في خندق واحد مع من يتعمد توسيع دائرة الإحباط واليأس واعتماد لغة التذمر والشكوى في العلاقة بين الشخص ومجتمعه ودولته.
لا قيمة لفكرة الإصلاح مع لغة اليأس، تماماً مثلما لا قيمة للإصلاح مع راسمي الصورة الملائكية، والواقعيون الموضوعيون المعززون بالأمل والتفاؤل هم القادرون على الإصلاح، ولنتذكر دائماً أن الخطوة التالية للإحباط الخروج من الحياة.
الأمل والتفاؤل جزءان من العمل السياسي لأنهما يرسمان ليس مشاعر الناس بل أيضاً يبنيان مواقف، وهما أيضاً جزءان من حياتنا الاجتماعية والخاصة، فالأمل والتفاؤل ضرورة لاستمرارية الحياة، ولهذا فإن محترفي صناعة التشاؤم وتجذير الإحباط يدركون أهمية نجاحهم.
(الرأي)