"كيري رايح رايح .. كيري جاي"
جهاد المنسي
05-01-2014 03:04 AM
يعود وزير خارجية الولايات المتحدة الأميركية جون كيري الى المنطقة في زيارة هي العاشرة له خلال فترة قصيرة، والأولى له في العام الجديد.
عودة كيري للمنطقة باتت لا تعني الكثير، فالرجل مصرّ على إيهامنا بوجود مفاوضات حقيقية وجادة بين جانب إسرائيلي غاصب للأرض، وجانب فلسطيني يعاني من الاحتلال بشكل يومي، فيما يظهر على أرض الواقع عكس ذلك، فاسرائيل تقتل وتضم وتقضم ما تريد، وتبني مستوطنات وتنتهك الأقصى وقتما تشاء، وكيفما تشاء تحت نظر كيري والشرعية الدولية ودون أن يرف لكيري وإدارته جفن، أو أن نسمع منه وإدارته تهديدا أو وعيدا أو حتى إدانة، فعن أي سلام يتحدث، وأي حياد يدّعي!
اسرائيل تعرف أن كيري، الذي يأتي لبيعنا كلاما في كلام، يبيعها (اسرائيل) عنبا ناضجا، ومواقف داعمة، ما فتئت الولايات المتحدة الأميركية تمد بها حليفتها، لتساعدها على القتل والاستعمار والاحتلال والتمرد على الشرعية الدولية، وعلى انتهاك حقوق الانسان.
السلام لا يصنع بكثرة الزيارات للمنطقة، وإنما باعتراف الجانب المغتصب للأرض، بحق الطرف الآخر في إقامة دولته الفلسطينية المستقلة، على تراب أرضه المحتلة العام 1967، وعودة اللاجئين إلى ديارهم التي هُجّروا منها قبل ذلك، وتعويضهم، ووقف الاعتداءات اليومية ضدهم، وبناء المستوطنات على أرضهم.
القصة ليست بحاجة لزيارات مكوكية، وإنما لإرادة أميركية ودولية لتنفيذ الشرعية الدولية، على كيان لا يعترف بأي قرار أممي، وإجبار اسرائيل على تنفيذ القرارات الأممية، وضمان عدم التعامل مع القرارات الدولية بعقلية (خيار وفقوس)، بحيث يتم تنفيذ الشرعة الدولية في سورية والعراق وليبيا وإيران وغيرها، وتجنيب اسرائيل أية عقوبات ناجمة عن رفضها لتنفيذ القرارات الأممية.
اسرائيل تصر على الضرب عرض الحائط بكل تفاهم قد يجري، أو نقاط انطلاق يمكن البناء عليها، فهي دوما تستقبل كيري بقرارات أحادية، فتارة تعلن عن بناء مستوطنات، وأخرى عن ضم غور الأردن لها، وتارة تستقبله بعدوان على غزة، وتارة باعتقالات موسعة، وأخرى باقتحام للأقصى.
قبل زيارة كيري الأخيرة، استبقه وزير الداخلية الإسرائيلي جدعون ساعر، بقوله إنه يجب الإبقاء على الوجود العسكري الإسرائيلي في منطقة الأغوار للأجيال المقبلة، وإنه لا يمكن القيام بذلك من دون وجود مستوطنات، وأردف قائلا خلال جولة له على المنطقة: "الأغوار إسرائيلية، وستبقى كذلك".
وشارك في الجولة إلى جانب ساعر، نائب وزير الخارجية زئيف ألكين، ورئيس الائتلاف الحكومي، وأعضاء كنيست من الليكود والبيت اليهودي، ودشن هؤلاء حيا جديدا في مستوطنة "غيتيت" في الأغوار، وقال ألكين "جواب الليكود يجب أن يكون لا لأي اقتراح بالانسحاب".
وكما هو معلوم فإن منطقة الأغوار تشكل واحدة من الملفات الكثيرة المعقدة إلى جانب ملفات القدس، الأمن، الحدود، اللاجئين والمياه.
بالمقابل، فإن الجانب الفلسطيني المستند إلى القرارات الأممية وبلسان الرئيس الفلسطيني محمود عباس يؤكد أن غور الأردن "أرض فلسطينية" وضمها يشكل "خطا أحمر لا يمكن لأحد تجاوزه".
الواضح من كل ذلك، أن اسرائيل ترسل دوما رسائل شديدة الوضوح للعالم ولجون كيري، فيما هو ورئيسه باراك أوباما لا يكلان ولا يملان من الإعلان عن التزامهما بأمن اسرائيل، ويتعاملان مع دولة الاحتلال كحمل وديع، وكأنها لا تحتل أراضي فلسطينية، ولا تعتقل أطفالا ونساء وشيوخا، ولم ترتكب مجازر في غزة وقانا ودير ياسين وبحر البقر وصبرا وشاتيلا، وغيرها.
المشكلة ليست في كيري ولا بجولاته العقيمة، وإنما في غياب موقف عربي موحد بشأن مفاوضات عقيمة لم تنتج خلال السنوات الماضية أي جديد، وإبقاء ما اصطلح على تسميتها "مبادرة عربية للسلام" على الطاولة رغم كل ما قامت به اسرائيل خلال السنوات الماضية، وارتهان الموقف العربي بمواقف دول إقليمية وغربية بتنا نعرف جميعا أن هدفها الأول أمن اسرائيل فقط.
(الغد)