جورج حبش .. نموذج للانتماء الوطني والقومي
مالك نصراوين
07-02-2008 02:00 AM
بعد اختفاء عن الساحة لسبعة اعوام ، عاد اسم المناضل جورج حبش الى الواجهة الاعلامية ، لكن هذه المرة نعيا له ، بعد ان انتقل الى جوار ربه ، عن عمر ناهز الثانية والثمانين ، وبعد حياة حافلة بالكفاح من اجل فلسطين ، الارض والشعب ، ومن اجل الامة العربية وقضاياها العادلة ، وابرزها قضية الوحدة العربية ، التي هي حلم كل العرب الغيورين على مصير امتهم .جورج حبش كان من ابرز الاسماء، التي لمعت في تاريخ الصراع العربي الاسرائيلي ، سمعنا باسمه لاول مرة، نحن ابناء هذا الجيل في نهاية الستينات ، وفي ذروة الصراع العسكري بين العرب واسرائيل ، وكرمز من رموز العنف الثوري ، والذي كان يطرب له في ذلك الوقت الكثير من الثوريين العرب ، ويجدون فيه ردا على هزيمة الامة العربية في حزيران 1967 ، وعلى الصمت العالمي تجاه مأساة الشعب الفلسطيني ، وعلى تواطؤ بعض دول الغرب ضد العرب ، وفي نفس الوقت كان هذا العنف ، موضع الرفض والتنديد من آخرين ، عربا وغير عرب ، يجدون فيه خلطا للاوراق ، وعقابا لابرياء لا ذنب لهم بما يجري في المنطقة ، واساءة لقضايا العرب ، يحرمهم من تعاطف الرأي العام العالمي مع قضاياهم .
على كل حال ، لم تطل ممارسة العنف الثوري ، وفق رؤية جورج حبش ورفاقه في الجبهة الشعبية ، من مثل خطف الطائرات المدنية وتفجيرها من دون ركابها ، او استهداف المدنيين ، او الاساءة للدول العربية التي لم تتماشى سياساتها مع سياستهم ، اذ سرعان ما الغيت هذه الممارسات بعد ان ثبت ضررها على القضية الفلسطينية ، وبعدما قيل ما قيل عن ايجابيتها الوحيدة التي تحققت ، وهي لفت الانتباه الى مأساة الشعب الفلسطيني ، ومخاطر ما يهدد استقرار العالم اذا لم يعر هذه القضية اهتمامه ، ويسعى لتحقيق العدل والسلام في منطقتنا العربية ، وقد كان موقف المرحوم جورج حبش حاسما من موضوع انهاء هذه الممارسات ، ووقف في وجه رفيق دربه وديع حداد ، الذي عارض انهائها ، فقال قولته المشهورة : اما حداد او الانضباط .
لم يكن هذا الموقف هو الموقف العقلاني الوحيد للراحل جورج حبش ، فقد عرف عنه حرصه على وحدة الشعب الفلسطيني ، وعدم سماحه للخلافات السياسية ان تتحول من الكلمة الى الرصاص ، فقد وقف على الدوام ضد سياسة المرحوم ياسر عرفات ، لكنه ابدا لم يشكك بوطنيته ، فلم يتهمه بالعمالة والخيانة ، بل كان يعتبر تلك المواقف اجتهادا له عليه الكثير من المآخذ .
آمن جورج حبش بالوحدة العربية ، فأسس حركة القوميين العرب ، وفي وقت لاحق ، وبعد هزيمة حزيران ، مزج ما بين الفكر القومي والفكر اليساري ، وبقي رمزا للمناضل القومي اليساري ، رغم جراح التجزئة التي نالت منه بانفصالين متتاليين ، انفصال الجبهة الشعبية الديمقراطية ، وانفصال الجبهة الشعبية – القيادة العامة ، مما ساهم في اضعاف الجبهة الشعبية التي اسسها عام 1967 .
جورج حبش ، هو متال للثوري الذي بدأ متزمتا وانتهى معتدلا ، دون ان يحيد عن مبادئه بل عن ممارساته ، تخلى عن العنف المسيء لشعبه ، وتخلى اخيرا عن موقعه طوعا ، فهو لا يريد ان يشارك بما يجري ، خلافا لقناعاته ، ولا يريد ان يصد أي اجتهاد يسعى لنفس الهدف .
واخيرا ، لقد كان جورج حبش ، مثالا للمواطن العربي المسيحي ، الملتزم بقضايا وطنه وامته ، فقد كانت حياته الحافلة بالنضال اكبر رد ، على دعاة التفرقة والتشرذم ، الذين تزدهر سوقهم هذه الايام ، والذين يصنفون المواطنين على اساس الدين والطائفة ، وليس على اساس الانتماء الوطني .
m_nasrawin@yahoo.com