الاستقطاب السياسي يفرض نفسه على المشهد الثقافي الاردني في 2013
04-01-2014 12:25 PM
عمون - ربما لا يخرج فوز الفنانة التشكيلية الأردنية هيلدا الحياري بالجائزة الثانية في بينالي طهران، عن السياق العام للمشهد الثقافي في الأردن، الذي تسيده الاستقطاب السياسي، كعنوانه الأهم والأعم والأكثر حدة ووضوحاً وفاعلية.
ففي حين كان ينبغي احتفاء الأنتلجنسيا الثقافية والفنية المحلية بهذا الإنجاز الفذ، فإن كثيراً من التعليقات والغمز واللمز استهدف ما حققته الحياري، بحجة أنها وبحكم موقفها المعارض )للنظام السوري( وبالتالي اختلافها المحوري مع مؤيديه وداعميه بما في ذلك طهران، فإن حصولها على جائزة من مهرجان يحمل اسم فن المقاومة، مما يشكل، بحسب الغامزين في حقل حصولها عليها، تناقضاً غير مفهوماً بين قناعاتها، وبين ما سعت للحصول عليه: المشاركة المؤمّل نيل نتيجة ما من خلالها. وكيف تشارك من الأساس؟ كما يسأل بعض الفنانين والمعنيين بشكل لا لبس فيه. تباين ردود الفعل حول فوز الحياري، يمثّل صورة مصغرة للتباين الحاد في كثير من الأحيان الذي طغى على مجمل حراكٍ ثقافي فني وأدبي لم تتوقف عجلته بشكل أو بآخر على مدار العام 2013 الذي يلفظ أنفاسه الأخيرة مفسحاً مكانه لعام جديد بمختلف توقعاته وتطلعاته وأمانيه.
رابطة استقطاب لا كتّاب
المكافأة الصغيرة في نهاية العام (أُعْلِنَ عن فوز الحياري في 24 كاون الأول/ ديسمبر)، لم تكن كافية، إذاً، لتخفيف حدة الهوة التي واصلت اتساعها على مدى أيام السنة وأسابيعها وشهورها. وهي هوة، وهو شرخ ظهرت ملامحه الأكثر وضوحاً ودلالات بشكلٍ أساسيٍّ في رابطة الكتاب الأردنيين، لتمتد بعد ذلك، وتشمل هيئات وجهات ومؤسسات ثقافية عديدة. ففي رابطة الكتاب الأردنيين التي عكست نتائج انتخاباتها الأخيرة في نهايات شهر تشرين الأول (أكتوبر) 2013، المِزاج العام لهيئتها العامة في الانقياد لشعارات تيار القدس وتحالفاته المعلنة مع النظام السوري ومن معه، تحت عنوان مناصرة خط المقاومة والممانعة وما إلى ذلك.
وعند أبواب نهاية عام وبداية عام جديد وصل التصعيد الاستقطابي أعالي ذراه، عندما أرسلت إدارية الرابطة تهنئة لأعضائها بعيد الميلاد المجيد هذا نصّها: ‘ميلاد مجيد رغم أنف الوهابية’، وهي طريقة في التهنئة أثارت موجة عارمة من الغضب والاحتجاج والاستنكار وردود الفعل المتباينة، وتصدير البيانات والبيانات المضادة. ردود فعل وصلت إلى الدعوة لاستقالات جماعية، في حين نفذ عدد من أعضائها هذا الأمر فعلاً، فقدموا استقالاتهم في اليوم الثاني لإرسال رسالة التهنئة (الملغّمة) تلك، كما في حالة الناقد والأكاديمي د. إبراهيم خليل وغيره.
والحال كذلك فإن ثلاثة أرباع أعضاء الهيئة الإدارية في الرابطة أدانوا الرسالة الإشكالية، ما طرح تساؤلات وأسئلة برسم الإجابة عمّن يدير شؤون الرابطة فعلاً، وعن كيفية اتخاذ القرارات فيها، وعن حجم المشاركة ومستوى الديمقراطية القائمة داخل عمل إداريتها. إدارية الرابطة، وتحت ضغط حجم الاحتجاجات غير المسبوق، وتباين شكل هذه الاحتجاجات والإدانات ودافعيتها وجديتها ومستواها عن احتجاجات سبقتها في مسائل أخرى، اضطرت إلى تصدير توضيح أقرب للاعتذار وإن ظل مصرّاً على مكابرة مجروحة أن يسمّي نفسه أو أن يسميه من صدّره اعتذاراً صريحاً، هذا التوضيح جاء على النحو الآتي: ‘توضيح من رابطة الكتاب الأردنيين حول الرسالة النصية الاخيرة:
إن رابطة الكتاب التي لا توافق على الصيغة التي وردت فيها الرسالة النصية المذكورة، وتتقدم بنقد ذاتي لما خلقته من ردود فعل لدى بعض الزملاء والأصدقاء، فإن الهيئة الإدارية في الرابطة ترى في الإسلام رسالة أكبر وأعمق وأسمى من كل التأويلات والتيارات المذهبية، وتؤكد على احترامها لكل الثقافات والتيارات والاتجاهات الفكرية التي تؤمن بالتعددية والحوار والديموقراطية، وترفض كل أشكال الإقصاء واحتكار الحقيقة من أي جهة كانت. ولا يمكن لأي مذهبية أن تكون جزءاً من المكون الثقافي تحديداً، فهو مكون ديموقراطي تعددي حواري بطبيعته’.
وهو التوضيح الذي أعاد نشره عضو الهيئة الإدارية الكاتب محمد المشايخ على صفحته على موقع التواصل الاجتماعي (facebook)، وأيضاً لاقى نشر المشايخ للتوضيح، ما لاقاه عند إرساله عبر البريد الإلكتروني من تباين ردود الفعل، وإن رُجِّحَتْ في نهاية المطاف ردود الفعل الرافضة لضبابية التوضيح والمتحاملة على عدم التراجع الصريح والواضح من قبل إدارية الرابطة عن هكذا رسالة.
خزانة لأبي الفنون
بتنحية هذا العنوان الأكثر إلحاحاً وتجاذبات، حقق المشهد الثقافي الفني الأردني خلال العام 2013، بعض الإنجازات اللافتة على صعيديّ المعنى والمبنى، فعلى صعيد الفن المسرحي فإن أهم منجزات الدورة العشرين لمهرجان المسرح الأردني في امتداده العربي، هو إنشاء خزانة المسرح الأردني، ذلك المشروع الريادي الذي يوثق الفن المسرحي الأردني على مدى العشرين سنة الماضية من خلال دراسات تحليلية.
مهرجان هذا العام، ورغم شح الزيت في القنديل، ورغم التأثر بالأزمة المالية العالمية، تحقّقَ فعلاً وأقيم، وإنْ بتقشفٍ وبضمور للمشاركات العربية فيه، واقتصارها على خمس مشاركات من الإمارات ‘نهارات زغلول’ وتونس ‘صفر القطار’ والجزائر ‘الجميلات’ والعراق ‘قلب الحدث’ والسودان ‘الأخيلة المتهالكة’ مقابل ست مشاركات أردنية: ‘عالخشب’ نص وإخراج زيد خليل مصطفى، ‘حارس النبوءة’ تأليف مفلح العدوان سينوغرافيا وإخراج فراس المصري، ‘الحلاج’ تأليف صلاح عبد الصبور وإخراج د. فراس الريموني، ‘ماريانا’ تأليف فيدريكو غارسيا لوركا إخراج حسين نافع، ‘هاملت’3d’، ‘نقش الورد’ تأليف وإخراج عبد الكريم الجراح و’النجمة والهيكل’ تأليف شايش النعيمي وتصميم وإخراج خالد الطريفي.
ملمح آخر ظهر واضحاً في مجمل العروض الأردنية والعربية هو تواصل ارتباك التعبير عن ربيع الثورات العربية، وحتى الإجماع على وصفه بالربيع، ووصفها بالثورات. المشاركات الأردنية داخل برنامج المهرجان تميزت بالتباين الذي وصل حتى إلى التباين في القدرة على التعامل مع شح الزيت بالقنديل؛ ففي حين تمكن مخرجون (زيد خليل مصطفى نموذجاً) من التكيف مع مبالغ إنتاج محدودة، فإن مخرجين آخرين فرضوا فقر الإنتاج على جمهور أعمالهم، وأقحموهم، ببؤس ما قدموه، وقلة حيلته، بأجواء معاناتهم مع الجهة/ الجهات الداعمة. وسط مختلف ما تقدم تجلت المسرحية الأردنية ‘على الخشبة’ نص وإخراج زيد خليل مصطفى كتميمة حرست روح المسرح وكبقعة ضوء في قلب الاضطراب.
جمهور المهرجان تميز كبطل أساسيّ في معظم العروض، وكان يمكن أن يصبح العنوان الأول لولا أنه كان محدوداً ولا يكاد يذكر في ندوات التعقيب ومختلف الفعاليات غير المرتبطة بعرض مسرحي، خصوصاً عروض دولة الضيافة وما رافقها من تحشيد سُخِّرَتْ له مواقع التواصل الاجتماعي، والاتصالات الهاتفية، وما ارتبط بها كذلك من حسابات اصطفاف ومؤازرة وتمكين. لكن حَرَدَ الجهات الراعية عن إتاحة الفرصة أمام الدافعية التنافسية وحجبها الجوائز المتعلقة بأفضل عرض وأفضل مخرج وما إلى ذلك، يبقى الخبر الأكثر إشكالية وإثارة للجدل داخل أروقة المهرجان وما حولها؛ فهل جاء إيقاف هذه التفصيلة المرتبطة عضوياً بالمهرجان الذي قطع شوطاً لافتاً محلياً وعربياً، خضوعاً لفقر الإنتاج وهواجس الترشيد، أم جاء لإعفاء المشاركين من حزازات النتائج، وردود أفعال ما بعدها؟ أم جاء تعبيراً عن ارتباك المشهد الفني العربي وسط تموجات الفعل والفعل المضاد. مصر غابت بقدها وقديدها المسرحي عن مهرجان المسرح الأردني في امتداده العربي منذ أعوام عديدة ماضية. ملمح آخر مهم ينغي الحديث عنه حول المهرجان هو التقدم المهم للمسرح الإماراتي نحو فضاءات دعم المهرجان وإيجاد موطئ قدم أكثر تأثيراً فيه، وكذا تقدم القيمة الفنية والجمالية للعروض القادمة من هناك. وإن كان لا بد من التحديد، فالمقصود بشكل رئيسي إمارة الشارقة، وفي تحديد أكثر وأكثر الهيئة العربية للمسرح فيها.
رموز مسرحية أردنية عربية لافتة، عكست مشاركاتها في المهرجان إخراجاً وتمثيلاً، تراجع دوافع الإبداع والابتكار والريادة عندها لصالح أسئلة العيش ولقمته المغموسة بالوجع والمكابدات القاسية.
تشكيل بأنفاس عروبية
العنوان الأهم بالنسبة للفن التشكيلي في تفاعلاته المحلية، هو استمرار الزخم العربي وخصوصاً العراقي، عند الحديث عن المعارض التي أقيمت على امتداد العام، وعند الحديث بشكل أساسي عن مهرجان الفن التشكيلي العربي الأول الذي أقيم في العاصمة الأردنية عمان بتعاون ما بين رابطة الفنّانين التشكيليين الأردنيين ومؤسسة نداء الجميع للبرمجيات، وتجلت فيه واضحة الأنفاس العروبية التي حاولت إصلاح بعض ما أفسدته السياسة.
المهرجان الذي تنقّلت فعالياته بين فندقيّ الرويال وريجنسي، شارك فيه 180 فناناً وفنانة من تسع دول عربية: فلسطين، سوريا، قطر، اليمن، تونس، السودان، ليبيا، والعراق، إضافة الى الأردن.
وقد حظي رغم بعض تعتيم إعلامي غير مفهوم الدوافع من جهات بعينها، بمشاركة واسعة من فنانين عرب عكست أعمالهم خليطاً من مدارس فنية عديدة وأساليب رسم وتلوين وحفر وطباعة متنوعة ومتباينة.
كما حقق المهرجان في دورته الأولى البعيدة عن التكلف، أهم ما سعى إليه: وحدة عربية بعيدة عن دهاليز السياسة وحساباتها. مدير المهرجان الفنان التشكيلي غازي انعيّم رئيس رابطة الفنانين التشكيليين الأردنيين يقول في هذا السياق: ‘إن المهرجان جاء بعد غياب المؤسسة التشكيلية العربية منذ نهاية سبعينيات القرن الماضي’. ورأى أنه يشكل في سياق متصل ‘رافداً لتجمّع الفن العربي بعد أن لعبت السياسة دوراً سلبياً في تفكيكه، معيداً اللحمة وسمة التعارف والاطلاع على تجارب الآخرين’.
كما أشار إلى الصورة الجديدة لوحدة الحركة التشكيلية العربية التي تربطها روابط متعددة وعميقة لأنهم ينهلون من ثقافة ذاتية واحدة، وبالتالي فإن خياراتهم الفنية المرتبطة بواقعهم متحققة.
وكشف في سياق متصل أن العام المقبل سيشهد مولد اتحاد الفنانين التشكيليين العرب في الكويت، وسيسهم هذا الاتحاد في توطيد علاقات المؤسسات التشكيلية العربية ببعضها البعض.
إلى ذلك تبنت رابطة التشكيليين الأردنيين على مدار العام 30 فعالية ثقافية بين معرض وورشة وندوة ومهرجان، منها على سبيل المثال احتضان غاليري الرابطة لمعرض أردني فلسطيني فرنسي جماعي بمشاركة 16 فناناً من تلك الدول الثلاث عرضوا خلال أيام إقامته 33 لوحة بتنوّع جاذبٍ، بما تستند إليه تلك الأعمال من مرجعيات وما تمثله من مدارس تشكيلية انطلاقاً من الواقعية وليس انتهاء بالتجريدية والسوريالية والحفر والغرافيك وتعدد وسائط التعبير الفني البصري.
كما أقامت معرضاً للتشكيلية العراقية نبراس جاسم، وللفنان السعودي نصير سمارة. الشباب والإبداعات التشكيلية الواعدة كان لها مساحتها ضمن نشاطات رابطة التشكيليين في عام 2013، مثل معرض ‘تباشير’، وعديد المعارض الشخصية الأولى لعدد من الفنانين. الغرافيك لم يذهب بعيداً وأخذ حصته من نشاطات رابطة تشكو من توقف دعم أمانة عمان، وعدم دفعها حتى ما جرى الاتفاق عليه، وما عليها من ذمم صار عمرها عامان كما يكشف رئيس الرابطة الفنان غازي انعيّم. الرابطة أقامت، إلى ذلك، معرضاً جماعياً لعدد من الفنانين العُمانيين في سياق الأيام الثقافية العُمانية في الأردن. الروس كان لهم حصتهم ضمن فعاليات الرابطة: ‘معرض المستنسخات الفنية الروسي’، وكذلك معرض طوابع روسية ومعرض صور فوتوغرافية للفنان إلدار يانبيكوف.
المتحف الوطني الأردني للفنون الجميلة لم يكن بعيداً عن نشاطات 2013، وحقق في هذا الإطار منجزاً لافتاً بتبنيه معرضاً بنكهة الوفاء لسبعين عاماً من الفن التشكيلي الأردني. المعرض الذي افتتح تحت رعاية الملكة رانيا العبدالله حمل عنوان ’70 عاماً من الفن الأردني المعاصر’، وأقيم بمشاركة 195 فنانة وفناناً من مختلف الأجيال عُرِضَ لهم 244 عملاً فنياً، ما بين الرسم والتصوير والنحت والجرافيك والفيديو آرت والتكوينات الإنشائية الفراغية وغيرها من فنون الحداثة وما بعد الحداثة. معرض الفنان العراقي الراحل رافع الناصري كان أحد أهم نشاطات المتحف في عام 2013، خصوصاً أن المعرض الاستعادي لأعمال الرافعي الذي أقامه المحتف تحت عنوان ‘رافع الناصري 50 عاماً من الرسم والطباعة’ وبحضور رفيقة درب الراحل الكاتبة العراقية مي مظفر، سبق رحيل الرافعي بحوالي شهر فقط.
في هذا الإطار رأى متابعون أن المعرض الذي تواصل على مدى ثلاثة شهور من أيار (مايو) الماضي وحتى آب (أغسطس)، يعد الأكبر على صعيد الاحتفاء بمسيرة الفن التشكيلي الأردني، وتتويجاً لجهود المتحف الرائدة في اقتناء الأعمال الفنية الأردنية والحفاظ عليها والتعريف بها.
كما أقام المتحف، إلى ذلك، عديد المعارض الحاملة قيمة حوارية حضارية لفنانين وفنانات من أوروبا وأمريكا اللاتينية وغيرها.
دارة الفنون ـ مؤسسة عبد الحميد شومان احتفلت عام 2013 بمرور ربع قرن على تأسيسها، وقد شملت احتفاليتها بشكل رئيسي افتتاح البيت البيروتي ليضاف إلى مفرداتها الأخرى: البيت الرئيسي، البيت الدمشقي، جناح عبد الحميد شومان، وباقي تفاصيل الدارة التي تتبنى عدداً من المشاريع المهمة مثل مشروع الإقامة ومشروع حوار في عمان وغيرها، وتواصل منذ تأسيسها في العام 1988 جدلياتها ومشاريعها ونشاطاتها، وفق منظورٍ خافت الصخب ولكنه بعيد الأثر، عميق التفاعل، بليغ الدلالات وقوي الصدى. وتواكب تطوّرات المشهد الفني العربي وتطلعات مبدعيه. وهي تضم ستّة مبانٍ تاريخيّة وآثاراً ومستودعات تم ترميمها وتهيئتها لاستقطاب الطاقات الإبداعية ودعمها.
مهرجان كرامة وقصة الريشات
للعام الرابع على التوالي أقيم في العاصمة الأردنية عمان، وعدد من المحافظات الأخرى، مهرجان كرامة لأفلام حقوق الانسان، وهو المهرجان الذي يحرص أن يأتي يوم ختامه متزامناً مع اليوم العالمي لحقوق الانسان.
وعلى مدى ستة أيام، تواصل مهرجان كرامة في المركز الثقافي الملكي والمعهد الفرنسي، بتنظيم من قبل جمعية المعمل 612 للأفكار، وبالشراكة مع المركز الثقافي الملكي، وبدعم من الاتحاد الأوروبي، والتشارك مع المعهد الثقافي الفرنسي، وعدد من المراكز الثقافية المحلية والأجنبية.
وعرض خلال أيام إقامته أكثر من 60 فيلماً روائيا ووثقائياً وقصيراً، تم اختيارها من بين 600 فيلم من 70 دولة أرسلت أفلامها للمشاركة، وتمركزت محاور الأفلام حول قضايا حقوق الانسان بعامة.
ولأول مرة منذ انطلاقه يسافر مهرجان كرامة بُعَيْد انتهائه في 15 كانون الأول (ديسمبر) مباشرة إلى فلسطين ويعرض في رام الله ومحافظات فلسطينية أخرى عدداً من أفلامه. وكان مهرجان كرامة لأفلام حقوق الإنسان في دورته الرابعة نظم معرضاً لرسام الكاريكاتير الفنان عماد حجاج حمل عنوان ‘ضمير الفن’. كما عرض أفلام أنتجها محترف كرامة للفيلم، من بينها ‘تاء مربوطة’ بتوقيع إيهاب الخطيب، عن سيناريو لمديرة المهرجان المخرجة سوسن دروزة. وقد شهد الفيلم نقاشاً موسعاً.
كما نظم المهرجان ندوة ‘حقوق الإنسان والإعلام في أوقات الأزمات السياسة في الإعلام المرئي ـ سوريا واللاجئين السوريين’.
المهرجان رفع العام الماضي شعار الريشات الثلاث ووقتها ألقت دروزة كلمة جاء فيها: ‘ثلاثُ ريشات.. ريشات ثلاثْ: الأولى للمعرفةْ.. الثانية للتأملْ.. والثالثة للفعل… ريشات ثلاث: الأولى للعدالة.. الثانية للحق.. والثالثة للحرية’. فهل أصبحت هذا العام أربع ريشات؟ وإن حدث ذلك فإلى ماذا تشير الريشة الرابعة..؟ الريشات شعار المهرجان وأيقونته، تواصل تحليقها من أجل كرامة الإنسان وحقه الجذري بحرية لا حدود لها.
سينمائياً أيضاً، يواصل عدد من المخرجين الأردنيين تلمس مكان لهم في فضاء الفن السابع، مصرّين على زحزحة الصورة الباهتة للمشهد السينمائي الأردني ولو قليلاً.. قليلاً فقط. في هذا السياق أنهى المخرج يحيى العبدالله تصوير فيلمه التسجيلي الطويل ‘المجلس′ الذي يناقش قضايا تتعلق بهموم وآمال طلبة إحدى المدارس الأساسية في منطقة السخنة الأردنية شرق محافظة الزرقاء (50 كيلومتراً شمال شرق العاصمة) من النواحي التربوية والتعليمية والإنسانية.
الكم على حساب النوع
الكم على حساب النوع شكّل سمة أساسية لمئات النشاطات التي أقيمت عام 2013 في مختلف المحافظات إضافة للعاصمة عمان؛ حفلات توقيع زادت دون مبالغة على 150 حفلَ توقيع لدواوين شعرية (أولى على وجه الخصوص)، وروايات، ومجموعات قصصية، وكتب نقدية، وكتب سيرة، وكتب طبية وإعلامية وعلمية وربما شعوذة. التعارض وسوء التنسيق بين تلك الفعاليات شكّل سمة أخرى، فإما أيام عقيمة لا نشاطات فيها، ليأتي يوم وإذا به يحفل بأربعة أو خمسة نشاطات في وقت واحد. مواقع التواصل الاجتماعي لعبت دوراً كبيراً في تأجيج موسم حفلات التوقيع، وفي تسرع كثير من الكتّاب والشعراء لدفع ما جمعوه من شعر ومن إبداع للمطبعة، أو لأي دار نشر يهمها هامش ربحها دون تمحيص بالمحتوى، رغبة في أن يتحول الشاعر الافتراضي أو القاص الافتراضي إلى كائن حقيقي تتسابق صديقاته الافتراضيات إلى حضور حفل توقيعه وتبادل الصور من أجل العودة مرة ثانية للعالم الافتراضي.
ضمور العناوين وصمود التحليق
وأخيراً، مرور الكرام، مرّ اختيار عجلون مدينة للثقافة الأردنية، دون فعل واضح على الأرض، ودون الحرص على إدامة بنية ثقافية راسخة هناك، تحملها بُنىً تحتية ومرافق خدمية للفعل الإبداعي الفني والأدبي الذي يملك أدوات التأثير والجذب عند جمهور أنهكته سبل العيش ووسائل البحث عن لقمة الأَوَد.
وحين يمضي عام 2013 ولا تعود عجلون مدينة ثقافته، فقد لا يبقى من كل هذا وذاك سوى عملٍ إنشائيٍّ أنجزه الفنان والناقد التشكيلي غسان مفاضلة عند أبواب عجلون للقادم إليها من عمّان، منحه اسم ‘تحليق’ وتركه يخفق على ارتفاع أكثر من خمسة أمتار مع جموح الريح. قد لا يتاح للراكبين لمح المنجز المحلق في الهواء الحر، لحجب بعض أشجار الطريق الرؤية نحوه، ولكن متوالية الأيام لا بد لها أن تفعل ذلك أخيراً، ويصبح ‘تحليق’ بمفرداته ودلالاته محج أنظار الذاهبين إلى عجلون والعائدين منها مبهورين بقلعتها التاريخية وكنائسها العتيقة ومساجدها الوادعة.
(القدس العربي)