في يوم شتائي بنهاية الستينات من القرن الماضي فوجئت وطلابي في الصف الرابع الثانوي بصلاح الدين الثانوية بعمان بزيارة طيب الذكر المرحوم الدكتور محمد أديب العامري وزير التربية والتعليم أنذاك .

البداية.. للزيارة المفاجئة هذه كانت نقرات خفيفة ولطيفة على باب صفي بالكاد سمعتها وطلابي ومن الوزير العامري نفسه، فهرعت إلى الباب لأفتحه ، فإذا الوزير الفارع الطول والهادئ والجاد الوجه في مواجهتي ،ومعه مدير التربية والتعليم الذي لم أعد أذكر أسمه والذي كان يعتمر كوفية بيضاء وعقالا فوقها، إضافة إلى مدير المدرسة المرحوم محمد درويش الفالوجي الذي مات وهو في ريعان شبابه
بعد ثوان قليلة، انتقل ثلاثتهم الوزير ومدير التربية ومدير المدرسة إلى أخر الصف ليجلسا على مقعدين فارغين، وأشار معاليه إلي بالإستمرار في شرح درسي وهو درس في قواعد اللغة و الموضوع حول تقديم الخبر على المبتدأ...

بعد دقائق معدودة وقف الوزير العامري يطلب مني السماح له بتوجيه سؤال منه لطلابي، فقلت : بكل ترحيب ، ثم انتقل إلى مقدمة الصف بعرض سؤاله على الجميع . وبعد أقل من دقيقة صامتة تماما طرح الوزير سؤاله الذي يقول:( إذا أردنا أن نفتح (دكانا) فماذا نحتاج؟)، فرح طلاب الصف من السؤال وحسبوه سهلا فأجاب أحدهم: نحتاج إلى ميزان ووزنات.. وقال أخر نحتاج إلى رفوف لوضع البضائع عليها... وقال ثالث: نحتاج إلى دفتر لتسجيل حسابات الديون على الزبائن... وقال أخرون غير ذلك.. وشعرت أن الوزير العامري لم يحصل منهم على جواب شاف إلى أن ظهر من منتصف الصف طالب قال للوزير نحتاج إلى (المصاري) وهنا إكتسى بالفرح وجه أستاذنا العامري وطلب من الجميع أن يصفقوا له على جوابه الصحيح قائلا: نعم.. نعم نريد (رأس المال) قبل جميع الأشياء التي تحدثتم عنها، ثم خرج مودعا جذلا وفرحا لهذه النهاية السعيدة لزيارته وكذلك فعل مدير التربية ومدير المدرسة وأنا والصف كله .

بعد أكثرمن أربعين عاما من سؤال العامري الرائع، سؤال مماثل نطرحه على أنفسنا كعرب: ماذا أنجزنا من تقرير صحفي مر عليه أكثر من ثلاثة أشهر لصحفي سويدي فضح فيه الممارسات الوحشية الإسرائيلية ضد الفلسطسنيين إبان الإنتفاضة الأولى العام 87من القرن الماضي والمتمثلة بقتل الشبان الفلسطينيين عمدا وسرقة أعضائهم والإتجار بها، والتي أكدها أباء وأمهات رافقوا الإنتفاضة المجيدة الأولى هذه وشاهدوا بأعينهم عدوهم وهو يقوم بتسليم جثث أبنائهم الشهداء فارغة وخالية من أعضائهم الداخلية .

وقال فلسطينيون أخرون: إن الإسرائيليين قد إقتلعوا عيون أبنائهم بعد أن تعمدوا إعدامهم وليس إعتقالهم، وإن أسلوب سرقة الأعضاء للشبان الفلسطينيين مستمر حتى الأن . في سويسرا.. البعيدة عنا ألاف الكيلو مترات ساندت حكومتها إبنها الصحفي الذي كشف هذه الجريمة الإسرائيلية وفوق ذلك رفضت الحكومة السويدية طلبا إسرائيليا بإدانة رسمية لتقرير الصحفي السويدي بقتل الصحفيين عمدا وبيع أعضائهم كما أدارت الحكومة السويدية ظهرها لجميع عمليات الإبتزاز الإسرائيلية التي تلت هذا الإكتشاف الصحفي للسويد ومنها:التهديدات الإسرائيلية بإضعاف دورها بالإتحاد الأوروبي حيث السويد تتولى سيادته الآن.

لم أعد أذكر إسم .. وعنوان ذاك الطالب الرائع والذكي الذي أفرح أستاذنا العامري بالإجابة عن سؤاله إجابة صحيحة وشافية ونحن بحاجة للإجابة إليه أكثر في هذه الأيام الصعبة للإجابة عن أسئلة كثيرة لم نصل فيها إلى حلول ناجعة وشافية ومنها :ما مصير اللجنتين: الأولى فلسطينية والثانية عربية للرد على التجارة الإسرائيلية بأعضاء الشهداء الفلسطينيين؟!