من سنوات الضياع والمباضع ؟ بقلم : د. عائشة الرازم
03-01-2014 03:37 AM
هل أيضاً من سنوات الضياع والمباضع ؟
( من تداعيات دخول عام القاهرة في المعرض الدولي للكتاب )
بقلم : د. عائشة الرازم
الليلة نحرص كلنا على تمثيل دور المندمج مع أهل الكرة الأرضية قاطبة ، فنمثل أننا جزء من البشرية المحتفلة المجتمعة المتفقة على قطع جسر السنوات المعلق الشاهق فوق اليم ، وأننا مع جموع البشر نمضي مهرولين لبلوغ نقطة الهدف المنشود مثل باقي الأمم ، فكما يهرعون لقطع الجسر نحو جديد الشواطئ يتلمسون الأمن والأمان ، ويبحثون عن الأصداف والمطروح أمام أعين البشر من أعماق اليم ،ويتوسمون النجاة وعدم تكرار إضاعة المجاديف في عرض البحر حينما اشتد الهول وتلاطمت الأمواج على البشر في عام مضى واندثر ، نجد أن البشر غيرنا يعتلون على ظهورهم قوارب ملفوفة للنجاة وأسطوانات أوكسجين وحقائب ممتلئة بالأجندات والخرائط والعدسات ، بينما نحن نتلفع بزعانف أقدامنا المتلاطمة بين البشر نتعرقل ونتعوق ونعيق البشر المهرولين في نفس المجموعات معنا أو بالأحرى الذين اصطحبونا معهم ! فيمنحوننا بعض سترات النجاة حيث يكتشفون أن بعض عبارات من الدعاء على وريقات متناثرة مع بعض الأفراد وزجاجات خالية من القطران محشوة في أمتعتنا ليجودوا علينا بسترات النجاة التي لا تكفي للمهرولين منا على جسر النجاة المتأرجح الشاهق الطويل !!! وكأنهم يدركون أننا لن نقطع معهم الجسر أبداَ ..
على دعاء ورجاء نتوكأ الليلة في بداية الهرولة مع البشر لنقطع جسر السنة من عام البحور ، نمضي مع البشر بسيقان ورؤوس وعيون ، دون وقوف أي مارد متوحش يوغر في تخويفنا ويهش علينا كما يهش الراعي الشرس على قطعان الغزلان ، ودون وقوف أي حائل بيننا وبين المهرولين فوق جسر السنة المتنهي بإقامة زمن محدود وحدود وتوقيت !!!
يهرول البشر ولا يلوون على الإلتفات وراءهم فهم يعرفون ما يحملونه جيداً وما دونوه عن البحر المتلاطم ، يحسبون حساب الثواني ونحن نتجبد ونتمغط في المسير نركل بعض الحجارة بأرجلنا وبعض الحصى نتسلى بركلها فتصيب الطوابير المهرولة الجادة !!
وكأننا لا نعي أن للجسور نهايات وأن للبحور مداً وجزراً وهيجاناً لا يتوقف ، نرى الأمم تتبارى بالهرولة بإيقاع واحد في صفوفها الممشوقة الطوابير حاملة عدتها وعتادها ، كأنها جنود تدربت على تحية الحياة والقتال من أجل المنال ، وكأن النشيد الوطني لكل طابور يهز الأرض فيصمت ويهدأ له البحر مصغياً لموسيقى الأقدام وإيقاع الوصول ، نحن ما زلنا نتمغط معه هؤلاء ونشارك بالانتقال من جسر ممتد شاهق إلى بر البحر ، لكننا في طوابير تعرقلت بنفسها ، رافعين آخر مبضع مسنون بارق في نهاية السنة ، نتعاون كلنا بلا استثناء على رفعه بأذرع نرفعه إلى أعلى ليتفرج عليه أهل الأرض ليلة الميلاد ، فيكون أكثر وضوحاً وإشعاعاً على الملأ نافراً بحجم قوس قزح ولا التشبيه ، فلا قدرة لدينا بانتشال أكداس المباضع ، فهي أحمال لا تفيها مساحات السفن ولا المحيطات ، ولا تقوى على حملها حاويات البواخر التي تمخر عباب البحر ، فنرفع المسنون ونذكر البحر بدمائنا وخزاناتها مؤكدين على تكرير البحر لتجديد سيول دمائنا فيه مرة ثانية بكل فخر ، وننشد لنا الصدر دون العالمين أو القبر ،فتخشى من مرافقتنا طوابير المهرولين نحو النجاة وإيقاعهم لنا الحياة الجديدة والشواطئ الآمنة من هؤلاء !!
الليلة .... نحن لا نهرول بينما البشر قد هرولوا ، نريد تكرير البحر ليعود يستوعب دماءنا من جديد ، نريده جاهزاً لاستقبال غرقانا الذين رافقوا الأمم على جسر السنة دون قوارب نجاة ودون تنسيق رؤوس ، نريده لنا فيكون لنا ، والآخرون يرومون الشواطيء والشمس والفضاء ، نحن فوق الجسر نتلكأ ونتجبد ونتعرقل بأقدام بعضنا حيث نسحب ذاك المبضع الطافي في عيوننا على سطح البحر الناصح لنا بالله يهديكو خلي العقل منكو !! يفور صدر البحر شفقة علينا منادياً لنا بأنه ربما يكون انطواء أعوام المباضع ، فنصرخ يا رغم أنفه يا مباضع !!! فيرقص المبضع أمامنا وقد توقفنا عن الهرولة مع البشر الذي أوشكوا على الوصول لبر الأمان ، يرقص ممجدا آمالنا وأقصى مساعينا ، فننتشي ببهائه الوردي لننشد أنشودة التوحد مع الطوابير العربية كاملة دون استثناء ، فالدم لونه واحد يوحدنا على جسر سيقطعه البشر ونحن نسميه جسر القطيعة!
ننظر إلى البشر وقد وصلوا ، وما زلنا نلتقط ذاكرة الدم نتغنى بها ونلمعها على رأس المبضع ، مبضع واحد يرتوي من كل القطرات ويمزجها على رأسه وبين اسنانه ، فيقطر بألحان تعيد زراعة الشجن والنواح الذي احببناه وعشقناه ، خلال نظرتنا إليه معتبرينه المبضع العلاجي لأمراضنا ، مباركين راجين منه أن يتقبلنا بقبول حسن ليدخل فينا أو ندخل فيه راضين بما يفعله المبضع بالسقيم !!
فيا مبضع الكي والدواء يا من استقيت دواءك من جبال الخائفين وأعشاب تلالهم الخضراء حتى أوديت بخضرتها ... فتركت لهم ربيع الناس الناشفين ومزقت صدورهم بفعلك ، هل لك بمغادرة العام الجديد ؟ فلا تسمعن من أنفسنا ومن غضبتنا ضد طوابيرنا التي أنهكها التخلف عن ركب المهرولين نحو الضفة الأخرى !! فقد أعلن البحر من أجلنا تمديد وقت إغلاق الجسر حتى تعتدل صفوفنا رحمة بنا ، وأننا قادرين على خياطة الجرح المفتوح ، فلا تصدق بأننا نهواك شاقاً الصفوف والصدور لتعالج الموبوء ، كفانا ادعاءً بأننا نريدك تجز اللحم وتسيل الدم للعلاج فلم نعد أمة الصبر والاحتمال ، فلقد ادعينا طويلاً قبل الهرولة بأننا أمة القوة والاحتمال مهما انغرز في صدورنا من مباضع وطعنات !! نهمس باكين نازفين الدمع على جسر النجاة ، بين أسنانك دون انقطاع بأننا نأمل الليلة أن تغتسل من دمائنا !!!
ونتلمس أطراف المبضع نغمض أعيننا ونرسم ابتسامة على شفاهنا ونتعرى من أردية المزق على أجسادنا ، ونحرك أيدينا بتؤدة ونعومة لامسين جباهنا لترتفع نحو السماء بالدعاء ، لابسين قناع التودد والرجاء كأننا عصافير طهرها المطر على رؤوس الشجر ، وهامسين والدموع تجلل خدودنا الناعمة تاركين دموعنا تنهمر على اذقاننا ونحن نرجو الله فقط بالرجاء! لكن وللخسارة الفادحة أن كلأ منا بدا حملاً يرضى بحكم غيره من غير الله ، نقف تحت السماء الباردة صامدين لنشعر السماء أننا بشر ونستطيع أن نتحلى بابتسامة ، ونتطلع نحو السماء نتنسم نسيم الأمل في العام 2014 ونتمنى ، ونتوسم من الله سبحانه الرحمة واللطف بأحوال العالم كله ، وكأننا جزء لا يتجزأ من الأمنيات !
ونصرخ وننادي البشر بحجة الصداقة والإنسانية البشرية أن خذونا معععكككم ، فقد أزف العام على الرحيل ، ونفتعل دور الاندماج مع المهرولين في ماراثون قطع الجسر الشاهق المعلق في الهواء فوق البحر اللجي ، والممتد بطول سنة واحدة فقط ، ينظر نحونا المشاركون بنظرات جانبية ، نظرات ثاقبة مقتضبة كلمح البصر ، وكأنها لقطات كاميرات دقيقة تعلوها عدسات تكبير وفحص وتخزين لنا في الجوهر والمظهر ، وتحوي تساؤلات مفادها ، ما لهؤلاء القوم يتزاحمون ويتلاكزون ويتصارعون وأقدامهم متخالفة الخطوات ؟ يستعجلون الوصول لنهاية الجسر الشاهق المعلق فوق بحر لجي بسيقان متعرقلة ببعضها البعض ؟ ألا يدركون أن البحر ينتظر والجسر لا ينتظر ؟؟ ألا يدركون أن البحر سعادته أن يتلكأ من فوقه ليشبع هواه ؟ وأن الجسر الذي يتماوج في الهواء خفيفا يستقيم تحت الأرجل الثابتة ؟ يشعر المتسابقون بالتفوق والفوز المؤكد سلفاً فيعرفون من اين تؤكل اكتاف منافسيهم نحن ، وكيف يهمشون ويرسبون في نهاية السباق ، فهم لا يعرفون أن جسر السنوات محدد التوقيت !
نحن العرب نتسابق على الوصول بلا هدف وبلا تنسيق وتوحيد الخطط والجهود ؟؟
العرب لا يعون إلا اين البشرية تمضي والجسر سيغلق بعد حين ! نحن سائرون فنسعد لتصويب عدساتهم ونسخر من انشغالهم بتشغيل تلك الآلات خلال هرولة النجاة من غرق بحر الحياة ، يستغربون من انفراط عقد صفوفنا وقد حتم السباق على الجميع تنسيق خطوطهم إلا نحن !