مؤتمر عن «الهولوكست» في .. تونس الثورة!
محمد خروب
03-01-2014 03:20 AM
وكأن تونس قد حلّت كل مشاكلها واستدركت خطايا وأكلاف السنوات العجاف التي قبض فيها الجنرال بن علي على الديار التونسية وشعبها، مانحاً اياها لعائلته ولآل الطرابلسي، والبطانة الفاسدة التي احاطت به من السرّاق والأنسباء والأصهار إلى أن أحرق محمد البوعزيزي نفسه فأشعلت نيران جسده، الغضب العارم في صدور التوانسة، إلى أن أجبروا الطاغية على الفرار.
لم يحدث شيء من هذا بعد ثلاث سنوات، ولا الشعب شعر بأن تغييراً-ولو متواضعاً-قد طرأ على حياته، إن لجهة أوضاعه المعيشية الآخذة في التفاقم وارتفاع الأسعار والبطالة أم لجهة استمرار التهميش والافقار وانعدام الأمن وتغوّل حكومة النهضة..
هل قلنا حزب حركة النهضة؟
نعم، فقادة هذه الحركة التي نجحت في اختطاف الثورة، والتمترس خلف نتائج الصناديق، وواصلت ازدراءها لقواعد اللعبة الديمقراطية وثقافتها، واشراك للقوى والحركات والأحزاب ومنظمات المجتمع المدني في القرار الوطني، بل استأثرت بالسلطة (دَعْ عنك حكاية الترويكا المضحكة)، ورأت في ذلك فرصة أخيرة قد لا تُتاح لها مثلها، كي تُحِكْم قبضتها على مفاصل الدولة، بعد أن إطمأنت إلى رضى الغرب الاستعماري عن خِطابها وخصوصاً الضمانات التي قدّمها شيخها (راشد الغنوشي) لأصحاب الشأن في واشنطن، عبر مراكز الأبحاث واللوبيات النافذة، والتي رأينا ترجمتها الفعلية ليس فقط في «التعهدات» التي التزمها الغنوشي بالصوت والصورة (وهو الذي حاول جاهداً نفيها والتنصُّل منها ولكن في شكل خجول لم يُقنع أحداً) بل وأيضاً في ديباجة الدستور، الذي حاول فرضها على التوانسة، والتي لا ترى في إسرائيل عدواً لتونس..
لم تكتفِ حكومة حزب حركة النهضة بذلك، بل هي أعادت الاعتبار للاحتفالات اليهودية في كنيس جربة على شكل فاق كل ما كان يحدث في عهد بن علي الذخر الاستراتيجي لإسرائيل (ثمّة قادة في المنطقة يحملون هذا الوسام الصهيوني ولم يكن بالتأكيد حسني مبارك وحده مَنْ فاز به)... بل بدا وكأنه مزايدة وتزيّداً، أراد منه إسلاميو الحزب الحاكم، أن تكون «أوراق اعتمادهم»، مقرونة بالفعل وليس مجرد القول..
نأت حكومة حركة النهضة عن الهموم العربية، وسعت إلى التحلّل من أي التزام عربي، اللهم إلاّ إذا كان على صلة بدعم الهجمة «الاخوانية» التي اجتاحت المنطقة بمباركة أميركية، كما حدث ويحدث في سوريا (دَعْ عنك مصر التي لم تغادر جدول أعمال الغنوشي وصحبه)، أما عيونهم والقلوب، فكانت شاخصة نحو السيد الأميركي وتابعه الأوروبي وخصوصاً الفرنسي، فكان ان احتضنت تونس (النهضة حتى لا ينسى أحد) في منتصف الشهر الماضي (14/ 12/ 2013) مؤتمراً عن الهولوكست (تذكّر) فيه الحضور على ما يقول الكاتب محمد علي فرحات، في مقاله الأسبوعي بجريدة «الحياة» اللندنية (آلام يهود تونس أثناء الاحتلال النازي الذي دام ستة أشهر، ما بين عامي 1942 و1943 وأعُتبر المؤتمر الأول من نوعه الذي يتناول الهولوكست في بلد عربي).. انتهى الاقتباس..
لسنا هنا امام «لغز» أو مفاجأة، فالحديث يدور دوماً في الدوائر الاستعمارية الغربية، وفي مقدمتها المرجعيات الصهيونية المتنفذة عن حكومات طيّعة ومستكينة، ولا يهم هؤلاء - كما لم يهمهم مِنْ قبل ومِنْ بعد - إن كان على رأسها ملتحِ أو حليق مُتديّن أم علماني، جنرال أم مدني، مُنتخب أم جيء به على ظهر دبابة... ما يعنيهم هو تمرير مصالحهم وبيع أسلحتهم وسلعهم، واستمرار قدرتهم على استصدار أي قرار يسهم في توفير الأمن لمواطنيهم، ولا يقفون عند مصطلحات «بالية وسخيفة»، من قبيل السيادة والكرامة الوطنية والشراكة والمصالح المتبادلة..
حركة النهضة ورهط الذين يوظفون «الدين» في خدمة خطابهم التكفيري والاقصائي، ويستحوذون على السلطة ولا يتورّعون عن تصفية خصومهم بكاتم الصوت أو التعذيب أو التفجير، هؤلاء يذوبون حسرة على «آلام» يهود تونس التي لم تدم سوى ستة أشهر، فأدخلوهم في أسطورة الهولوكست الصهيونية العالمية، أما باقي التوانسة الذين واجهوا الآلام ذاتها، فلا ذكر لهم أو تذكّر..
أكثر ما يثير الغضب، هو تعليق «الكاتب» الذي يبدو أنه حضر المؤتمر عندما يقول: «... حسناً، لماذا نُنكر نحن العرب الهولوكست، في حين أن المُتّهم بالمحرقة حزب نازي أوروبي؟ وما الجدوى - يواصل لا فُض فوه - في أن يستورد البرئ تهتمته من بلاد بعيدة؟»..
انتهت أسئلة الكاتب اللبناني المُتسامح، المتحضر والإنساني، والمثقف عابر الحدود، لكن ألا ترون أنه يتذاكى علينا، ويريد إلغاء عقولنا أو ما تبقى من مشاعرنا؟.
.. اسألوا إذاً حركة النهضة ومُنظّرها المفوّه.. راشد الغنوشي.
(الرأي)