التوجيهي" إعادة الهيبة المسفوحة!!
د. زيد نوايسة
02-01-2014 04:16 PM
في بداية الألفية الثالثة، بدأ الحديث الجدي عن ضرورة دخول التعليم في الأردن مرحله جديدة ، مختلفة كلياً عن النمط التقليدي الذي كان سائداً منذ عقود، فلابد من الاستفادة من ثورة التكنولوجيا الصاعدة في "أربع رياح الأرض"، فظهر المشروع الوطني الكبير الذي ارتبط بشخصية تربوية وأكاديمية "وازنة"، ولها دور مهم في الحقل التربوي، ونقل التكنولوجيا عموماً، يومها أعلن في مؤتمر دافوس أن الأردن أصبح الأول عربياً على مستوى التعليم وهو يقترب من الوصول للعالمية في التطوير التربوي!!، وان الأردن الذي يستثمر أكثر من مليار دينار في تطوير التعليم لديه مؤشرات قويه أن العائد كبير وسيكون الأعلى في المنطقة ويصل المردود إلى نسبة 300%.
كنا نحن "عباد الله" المواطنين البسطاء الذين نصدق "ماما" الحكومة دائماً في كل ما تقول، "حباً كالعاشقين" و"خوفاً كالأطفال"، نشعر بزهو واعتزاز لا يماثله أي شيء أخر، فبلدنا الفقير بالإمكانيات والمظلوم بتبعات الواقع السياسي والظرف الإقليمي منذ أن كان، بات يملك الآن ميزة مطلقه في التعليم عربيا، ونسبية على مستوى العالم، فحلقنا في عوالم الخيال والأمل وارتسمت أمامنا صورة التلاميذ في اليابان وسنغافورا والعالم المتقدم وهم يحملون أجهزة "الايباد" ويجلسون على مقاعدهم ينهلون من المعارف والعلوم بنهم، فالتعليم اليوم ليس كتب أو أوراق فقط، فكل شيء أصبح تفاعلي ومحوسب وحديث، أما التعليم في الوطن العربي فليس من أولويات اهتمامنا، فلقد غادرنا بدائية أساليبه وأنماطه التلقينية البائدة، والتي لا تتناسب مع العصر!!.
لكننا سرعان ما "استفقنا من حلمنا الجميل على فزع عظيم"!!، فلقد تعرض الامتحان الوطني الأهم "التوجيهي"، والأكثر مصداقية وموثوقية، ليس فقط في بلدنا بل في الإقليم إلى هزة طالت سمعته ونزاهة القائمين عليه، عندما سربت أسئلة الامتحان ليس فقط في عمان والمدن الرئيسية بل وصلت الأسئلة لأقصى قرية أردنية، لحظتها: كنا نعتقد أن المسؤولية هي سياسية بامتياز تتحملها الحكومة كاملة وهي كفيلة باستقالتها، بالرغم من أن من قام بالعمل موظفون صغار – طبعا لو كان لدينا ثقافة الاعتراف بالمسؤولية- ، ألا أن الذي حدث هو دفاع الوزير المستميت آنذاك عن الوزارة بل القيام بهجوم معاكس في مجلس النواب يذكره الأردنيون جيداً، وتوزعت مسؤولية دم الامتحان "القتيل" والمسفوحة مصداقيته ونزاهته على القبائل، وضاعت القضية في زحمة ما ضاع وسيضيع دائما للأسف، بفعل هالة القداسة التي وضعناها على بعض صناع القرار في بلدنا، ولا أعمم هنا بالمناسبة!!.
ولعله من الأسف القول، أن المسيرة استمرت فيما بعد، فتوالت الانتكاسات ليتعرض الامتحان لنكسة أخرى قبل سنوات ، وهي الخطأ في النتائج وسحبها بعد لحظات من إعلانها ، بالإضافة إلى قيام ثورة المعلمين ضد الوزير آنذاك الذي ترك مشروع التطوير التربوي الكبير جانباً، وركز على "أناقة" و"قيافة" و" ذقون" بناة الأجيال،وصولاً إلى الاستخدام الفاضح لوسائل التكنولوجيا والاتصالات في عملية الغش فتحولت قاعات الامتحان إلى ساحات حرب حقيقة وبلطجة من قبل عديمي المسؤولية والضمير من بعض الأهالي، فأن كنا نقدر حرصهم على مستقبل الأبناء، لكننا لا يمكن أن نقبل بان تمس هيبة هذا الامتحان الوطني لتضرب صورة التعليم في الأردن، فيدخل من لا يستحق الجامعات وتكون المخرجات الطبيعية لطلاب "الواتس اب"، عنف جامعي وانهيار منظومة التعليم العالي –لا قدر الله-.
ودعونا نذكر"لعل الذكرى تنفع"، بنتائج العام الدراسي الماضي، الأغرب في تاريخ التربية والتعليم في الأردن، فلقد حصل أكثر من 11 ألف طالب على علامة أكثر من 90%، في حين أن الذين حصلوا على العلامة من 50% إلى 55% اقل من 30 طالب، كما أعلن في الصحف والمواقع الالكترونية يومها!! فأي جيل عبقري هذا الذي سيحمل الأردن إلى مدارج التقدم والمعرفة!!، حتى أنني واحد ممن انتابهم الحزن على اليابان ومستقبلها العلمي، فشبابنا قادمون فلا تجربونا في التعليم!! واذكر أن مما ردده بعض الظرفاء على سبيل الدعابه: أن النائب العام أحال هؤلاء الطلاب الذي حصلوا على 50% إلى القضاء لأنهم أساءوا إلى سمعة التعليم في بلدنا المختص بتقديم العباقرة والمبدعين فقط، فمجتمعنا لا يقبل ألا النوابغ!!، فاكتشف أنهم فقراء لا يملكون هواتف ذكيه فيها تقنية الواتس اب!!، يعني لا تعتب على جهدك اعتب على الواتس اب.
اكتب اليوم في الشأن التربوي، والامتحان الوطني "التوجيهي" وأنا أتابع باحترام وإعجاب وثناء كبير، شجاعة الاعتراف التي تحلى بها الوزير الحالي للتربية والتعليم وهو يعلن بوضوح، بأننا أمام الفرصة الأخيرة كي نتمكن من إعادة الهيبة لهذه الشهادة الوطنية الأهم في حقل التربية والتعليم، والتي قدمت خيرة الكفاءات في مختلف الحقول الأكاديمية، للأردن والعالم العربي، عندما كانت تدار بحزم ومصداقية وأمانة، لأننا بكل وضوح لا نريد أن يكون الواتس اب ووسائل التكنولوجيا الحديثة والتي –يتبارى- للأسف بعض الآباء قبل الأبناء على توظيفها في وسائل الغش ألامتحاني هي أداة التقييم، والمدخل لتدمير منظومة التعليم والأخلاق أيضا، فيصبح المعيار هو الواتس اب، والسماعات المزروعة، والأقلام الذكية، بدل أن يكون الجد والاجتهاد من قبل الطالب نفسه، فهؤلاء الطلاب هم من سيقود الدولة والمجتمع بعد سنوات!!.
ختاماً، ما يقوم به معالي الوزير الحالي وبتجرد وبمنتهى الموضوعية، ثورة حقيقية للقضاء حالة الانفلات التي سادت ونخشى أن يكون استفاد منها كثر سندفع ثمنها لاحقاً، المطلوب من كل الأردنيين في مختلف مواقعهم، مواطنين وأهالي ونواب وأحزاب ووسائل أعلام، دعم الإجراءات الحالية- والتي تعد بحق – المشروع الحقيقي للتطوير التربوي وطوق النجاة الذي سيعيد الهيبة، والمصداقية للذراع الأهم والرافعة الأساسية لتطور أي دولة ومجتمع – التربية والتعليم- ويظل الأمل معقوداً على الأردنيين الذين كانوا ومازالوا ينتفضون حباً وانتماءاً لبلدهم في كل المفاصل الهامة من تاريخهم، ولا أظن ما يقوم به الوزير الحالي وهو الأكاديمي الألمعي والقادم من جمر المعاناة والقلق على مستقبل أجيالنا، غير ذلك!!.