تثير تصريحات وزير التربية والتعليم بخصوص عدد الطلبة الذين لا يجيدون القراءة والكتابة، عددا من الاسئلة التي لا بد من أخذها بعين الاعتبار للتغلب على تلك "الكارثة" ، حيث أن وجود 100 الف طالب على مقاعد الدراسة غير قادرين على القراءة والكتابة قضية خطيرة تؤشر الى حالة التردي الذي وصلت اليه مؤسساتنا الأكاديمية والتربوية، فكنا نأمل أن تكون تلك هي نسبة الطلبة الذين يجيدون لغتين فأكثر !!
فهل الخلل في المناهج الدراسية؟ أم في المعلم؟ أم في البيئة المدرسية؟
فعند النظر الى المناهج، نجد بأنها متشعبة للمرحلة الأساسية بحيث تتراجع أولويات اللغة خلف قضايا ثانوية أخرى، الأمر الذي ينعكس سلبا على تعلم الطلبة للغتهم الأم، فما المشكلة مثلا لو تم تدريس نصوص تاريخية ودينية ووطنية ودروس في الجغرافيا والتربية المهنية ضمن مادة اللغة العربية ، بحيث يتم التركيز على اللغة العربية أولا وعلى الأبعاد المعرفية لتلك الموضوعات ثانيا؟ وهكذا تكون مناهج المرحلة الأساسية مقتصرة على ثلاث أو أربع مواد.
أما بالنسبة للمعلم، فلا أعلم لماذا يتم التغاضي حتى الأن عن حقيقة أن مهنة التدريس تعتبر أهم وأخطر من أي مهنة أخرى... فالمعلم يبني الأجيال ويؤثر فيها تأثيرا كبيرا، فهو المعد للطبيب والمهندس والصانع والتاجر والمحامي....أي أنه باختصار المؤثر الأكبر في مستقبلنا جميعا.
لقد اهتمت شعوب كثيرة بالمعلم، باعتباره العنصر الأهم في منظومة التعليم، إذا صلح حاله، صلح حال التعليم، من هنا فقد سعت الدول إلى النهوض بمعلميها، والتطلع نحو الارتقاء بهم، وتلبية مطالبهم المادية والمعنوية، وحاجاتهم المهنية، في سبيل الحصول على أفضل ما عندهم من عطاءات، معرفية، ومهارية، ووجدانية.
فهناك نماذج آسيوية مثل اليابان، وسنغافورا، والصين، وإندونيسيا ونماذج أخرى مثل بريطانيا وهولندا وفرنسا والولايات المتحدة الأمريكية ، إضافة إلى البرازيل وجنوب إفريقيا.
ان وجود المدرس المتمكن من تخصصه، والمتمتع بحياة كريمة، هو حجر الزاوية لتحسين العملية التعليمية، حيث أن مثل هذا المدرس يكرس جل وقته لمساعدة الطلبة وبناء شخصياتهم، بدلا من البحث عن مصادر رزق أخرى غالبا ما تكون على حساب طلبته وعمله التربوي، من هنا فلا بد من التأكيد على ضرورة تحسين المستوى المعيشي للمدرسين بشكل ملموس وسريع، لندفعهم لبذل كل جهد ممكن داخل الغرفة الصفية، بالمقابل فأنه من الضروري تشديد الرقابة المدرسية والاشرافية على المدرسين ووضع اختبارات ومعايير دقيقة عند اختيارهم، كأن تتم عملية الترقية مثلا ضمن معايير تستند الى الانتاجية والكفاءة والتمكن من المادة العلمية.
أما بالنسبة للبيئة المدرسية، فيجب اعطاء أولوية لقطاع التعليم لبناء مدارس حديثة وصيانة القائم منها، بحيث لا يتجاوز عدد الطلبة في الغرفة الصفية عن 30.
فكيف لعملية تعليمية_تعلمية أن تسير بشكل سليم بوجود 60 طالب مثلا داخل غرفة لا تتسع اصلا الا لنصف هذا العدد؟
نعم... فنحن بحاجة ماسة لاعادة النظر سريعا في أولوياتنا بحيث يتربع قطاع التربية والتعليم على رأس تلك الاولويات ... فهو صمام الأمان لمستقبلنا جميعا.
دمتم ودام الوطن بخير....