حل المسألة مجرد .. «أرامل سود»؟
محمد خروب
01-01-2014 05:03 AM
أن يضرب الإرهاب المدينة «البطلة» التي كسرت الهجمة النازية في المعركة الشهيرة المعروفة باسمها (ستالينغراد وقتذاك) في العام 1943، ما شكل بداية النهاية لطموحات هتلر، يعني ان الإرهابيين ومَنْ يقف خلفهم، أرادوا تحطيم «الرمزية» الهائلة التي اختزنتها ذاكرة الشعوب السوفياتية (لا مبالغة بالقول والعالم اجمع) عن ذلك الصمود الأسطوري، الذي أبداه المدافعون عن المدينة، من جيش وشعب، فضلاً عن كونه تحدياً غير مسبوق للدولة الروسية والكرملين على وجه الخصوص الذي يستعد لاطلاق دورة الألعاب الاولمبية الشتوية في مدينة سوتشي على البحر الأسود في شباط الوشيك، وهو الأمر الذي كان أعلنه بوضوح (دوكو عمروف)، زعيم الجماعات الانفصالية في منطقة شمال القوقاز، في دعوته المبكرة إلى تنفيذ تفجيرات وزعزعة الأوضاع للحؤول دون انعقاد تلك الدورة، التي يرى كثيرون انها تمنح رياحاً جديدة لأشرعة سفينة فلاديمير بوتين السياسية والدبلوماسية في الداخل وخصوصاً في الخارج، وهو ما أزعج باراك أوباما وبائع الأسلحة المتجول وقارع طبول الحروب فرانسوا هولاند، والذي تبدّى في تلويحهما بعدم حضور حفل افتتاح الدورة الأولمبية احتجاجاً على سياسات بوتين الخارجية وبالذات في شأن موقف موسكو الحاسم من الازمة السياسية العاصفة في أوكرانيا والتي كانت اليد العليا فيها (في الراهن على الأقل) لصالح روسيا على حساب المعارضة التي بلا ألوان هذه المرة، المدعومة أوروبياً وأميركياً..
أن يضرب الإرهاب فولغاغراد مرتين في أقل من أسبوع ومن خلال عمليات انتحارية، نفذت الأولى منها (محطة القطارات) شابة داغستانية فيما الغموض ما يزال يلف «الشخصية» التي نفذت هجوم الحافلة الكهربائية، يعني أن «عمروف» قد نجح في تعكير صفو الأمن وتوجيه لكمة قوية لأجهزة الأمن الروسية، ما فتح الباب واسعاً أمام عواصم الغرب للتشكيك في قدرة الأجهزة الروسية تلك على توفير الأمن للاعبين والإداريين والمشجعين والهواة، الذين سيتدفقون بالالاف من مختلف دول العالم على روسيا الاتحادية (دع عنك القادة ورجال السياسة الذين سيحضرون تلك المناسبة الرياضية العالمية المهمة)..
ردود الفعل الغاضبة التي اظهرها الرئيس الروسي والتعليمات المشددة التي أصدرها لأجهزة الأمن بالتأهب وتشديد التدابير في كل انحاء روسيا، ليس مجرد أوامر بيروقراطية او ممارسة سُلطوية عادية، لا تلبث ان يتراجع «غضبها» عندما تعود الامور الى عاديتها ورتابتها، بل هي تأخذ منحى آخر حرصت موسكو على لفت الانظار اليه، عندما رأت انه يندرج في سياق الارهاب العالمي الذي يضرب ذات الشمال وذات اليمين، سواء في الولايات المتحدة ام سوريا ام باكستان، بمعنى انها القت الكرة في ملعب الادارة الاميركية والدوائر الغربية التي ما تزال تدعم تمويلاً وتسليحاً وتدريباً واعلاماً، نشاطات ارهابية تستهدف أمن واستقرار دول عديدة تقف في مقدمتها الآن سوريا، ولم تكن بيانات البيت الابيض وخصوصاً تصريحات جون كيري حول سعي واشنطن الى «الحوار» مع الجبهة الاسلامية والتي تعلم واشنطن (قبل غيرها) كيفية تشكيلها والمهمة المنوطة بها والدور التي يأمل «مشغّلوها» ان تنهض به بعد شطب «الجيش الحر» وابقاء ائتلاف احمد الجربا في «طيرانه» عبر العواصم والفنادق واطلاق التصريحات والتهديدات الفارغة..
ربما يكون المجاهد الاكبر دوكو عمروف وكتيبة «ارامله السود» او مجاهديه، التي تُمارس مجموعات منها، القتل والتنكيل في الاراضي السورية، قد قدّموا هدية «كبرى» لسيد الكرملين، دون ان يدروا أو قُل ان حساباتهم كانت غير دقيقة وخاطئة وساذجة في الآن ذاته، بعد ان بدا فلاديمير بوتين وقد عقد العزم على «شن حرب» لا هوادة فيها على الارهاب، قد لا تكون مساحاتها في الداخل الروسي الاتحادي بل ستتجاوزه إلى خارج الحدود وستكون سوريا إحدى ساحاته وربما تطال عواصم وأجهزة أخرى، لم يعد كثيرون في العالم يجهلون ما تقوم به وما تسعى إليه، بعد ان فقدت أوراقها أو تقلصت هوامشها ولم يعد أمامها سوى تعميم الإرهاب واشاعة الفوضى، في سعي محكوم بالفشل لاسترداد الادوار او استعادة نفوذ أو هيبة أو تحالف سقط.
هل ينعقد جنيف 2 اذاً؟
يبدو السؤال غريباً وفي غير محله، اذ لا صلة بين تفجيرات فولغاغراد والمؤتمر الذي بدأ العد العكسي لانعقاده في الثاني والعشرين من هذا الشهر، الا ان المدقق في المشهد يلحظ الترابط الوثيق بينهما، لأن الحرب على الارهاب دائرة الآن بضراوة على الاراضي السورية بهدف هزيمته وتجفيف منابعه وفضح مموليه والمُشغلّين، وليس على طريقة جورج بوش الابن او في المقاربات الانتحارية التي تطرحها عواصم غربية وخصوصاً عربية.
هي اذاً ليست مسألة «أرامل سود».. كما ترون.
(الرأي)