اليوم، يشرق صباح عام جديد، بعد أن ابتهل المؤمنون في كنائسهم في الشام والعراق ومصر، أن يكون عاماً يعمه الخير والمحبة والسلام، بعد أعوام من الصراع الدموي الذي أزهق أرواح عشرات الآلاف من الناس الأبرياء؛ سواء في بيوتهم أو مساجدهم أو حسينياتهم أو كنائسهم، أو في أفراحهم وأتراحهم، في هذا الوطن الممتد بخيط الدم!
لن نضع جردة حساب لسنة مرت من أقسى السنوات على هذه الأمة؛ حيث الذبح المجاني يتم للبشر كالدجاج، والكل شريك في هذا النحر الجماعي، والفرقة والتناحر سيدا الموقف، والرقيب على تنفيذه نحن الذين انقسمنا معه، ولم نسع إلى مصالحة الذات، ومعرفة أن طريق الخراب والدمار تجر المزيد من القتل. وبهذا، ماتت فينا بقية الإنسانية التي تركنا طهرها، ولبسنا عباءة الدم، واستعدنا حتى المنقرض في التاريخ، كما يقول مظفر النواب:
"اقتتلوا بسيوف السنة والشيعة والعلويين.. وحتى المنقرضين.. نطاح كباش.. فئران تركب بعضا.. جرذان تعزف دسبور الأقدار لها!هذي الأرض تسمى بنت الصبح.. نساها العرب الرحل عند المتوسط.. تجمع أزهار الرمان وساروا باديتين.. ولما انتبهوا وجدوا كل سقوط العالم فيها.. قالوا مرثية.. أيهم الميت أن القبر يزخرف.. أم تكترث الشاة لشكل السكين!".
ما أطلقه مظفر مجازاً وحالة شعرية غارقة في البكاء، أصبح حدثاً يومياً، نعيش وقعه على أزيز الرصاص، ودوي المدافع، والسيارات المفخخة. والموت سيد الموقف.
مللنا الدم ورائحة الجثث المتفحمة. نريد سنة يكون فيها الحب والسلام سيدي الموقف. نريد أوطاناً خالية من البغضاء والشحناء، نريد دولا منزوعة القمع، نريد أن نكون في أوطاننا أسياداً وليس عبيدا، نريد إعلاما يتجاوز الفتنة والكره والفرقة.
لكن، هل سيحدث هذا على بوابة السنة الجديدة؟ أم ستُعمّد هذه السنة بالدم كباقي الأيام، ويصبح الحزن والموت سيدي الموقف كما هما الآن؟ العيون الزجاجية ملت البكاء من سيل الدم، وصوت الثكالى يوحش الروح، ويقول مللنا القتل!
على بوابة السنة الجديدة التي تفوح منها رائحة الموت، ينثر قذائفه في كل مكان، ونهلل: يا موت أقبل اخطف الأطفال الحالمين بكسرة خبز في سنوات الموت والجوع، الحالمين بأوطان يلعب فيها الطفل من دون رصاصة طائشة وقذيفة مدفع أو سيارة مفخخة تغدر حلمه. يكفينا دماء ارتبط الخيط فيها من الشام إلى مصر إلى العراق، يكفي بؤساً صنعناه بأيدينا.
على بوابة السنة الجديدة، لا أمنيات. على بوابة السنة، الحلم فينا مات، وأصبحنا مصاصي دماء؛ نصفق ونهلل للدم، بغض النظر عمن يسيله. أطفالنا أحلامهم أصبحت كوابيس، وأصبحت قلوبهم كالحجارة، لكثرة ما يسمعون ويرون من مشهد الدماء المغلف بالحقد والزيف.
وأخشى على بوابة السنة الجديدة أن تتسع الرقعة.يا ربي، استجب لابتهالات المؤمنين في مساجدهم وكنائسهم، وللأطفال الحالمين بالركض في الأزقة من دون موت!
(الغد)