«ممنوع دخول النساء بأمر من وزارة الداخلية وهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر». كانت التغريدة التي نقلها الكاتب جمال خاشقجي أخيراً بعد أن وجدها معلّقة على مدخل أحد محال بيع الآلات الموسيقية، إلا أن خبرها القديم قد نقلته صحيفة «الحياة» منذ منتصف العام تقريباً.
فممنوع علينا قيادة السيارة، وممنوع علينا السفر أو استخراج وثيقته إلا بإذن، وممنوع علينا ممارسة الرياضة في المدارس. وهذا يقول فسحنا الرياضة للبنات، وذاك يرد قصدنا المدارس الأهلية.
وكأن البنات هنا غيرهن في المدارس الحكومية! وكأن المال هو الفاصل وليس المبدأ..! ثم آخراً وهو ليس آخراً طبعاً، ممنوع عليك أيتها العبدة المصونة أن تدخلي حانوتاً لبيع مزامير الشيطان.
ومن قبلها وبحسب تغريدة أحد المعلقين: ممنوع أن تخطو المرأة عتبة محل الأفلام. ولن أستغرب إن منعنا من دخول «السوبرماركت» يوماً، أو أي مكان يحلو لموظف الداخلية أو هيئة الأمر التشكيك فيه. وحقيقة لا أعلم كيف تصدر مثل هذه الأوامر غير المنطقية.
انتسبت المرأة السعودية إلى عضوية مجلس الشورى، وهلّلنا لإيصال أصواتنا عنّا ومن جنسنا. ولكن وبعد مدة معقولة من وجود السيدات الأعضاء تحت قبة المجلس يحق للمواطنات أن يسألن عما عاد عليهن.
وكل يوم يمر تصعب فيه حياتنا أكثر من اليوم الذي قبله. ولأن الرجل السعودي لم يكن امرأة، ومن المستحيل للرجل أن يكون، إذاً لا يحق له التكلّم عن ظروف المرأة السعودية ومشاعرها وكأنه عاشها واختبرها، ثم يصفها بالجوهرة المصونة كأقدم «كليشيه» مبتذل، ولينظر من يدّعي صون الجواهر في موقع «الآنستغرام» بالذات وكيف جنحت بناتنا في صورهن المنشورة مع كل قوانينه وممنوعاته، ومن يأسهن وعوضاً عن أن يحتفظن بحساباتهن بشكل خاص، جعلنها عامة ومتاحة لفضول الجميع بكل التجاوزات في اللبس والشكل وحدود العائلة، وهذه لها مقالة أخرى. دعونا اليوم في الموسيقى التي حرِّمت ثم أحل بيع آلاتها للرجال، ويا عيني على التناقض السافر! ثم ننعت بالسفور.
والسؤال: هل سنستمر نحن نساء الوطن في هذا الدوران؟ وتمضي أعمارنا وتشيب رؤوسنا ننتظر أن يرفعوا ورقة المنع هنا ليلصقوها هناك؟ أما آن اعتبارنا «إنساناً» من الدرجة الأولى؟ ولنا حقوقنا غير المنقوصة والمجزأة؟ ولن أتحدّث عن الواجبات فقد صكّت في وجوهنا حتى أصبحنا نهملها عمداً وغيظاً وقهراً، فقبل أن تطالبونا بالواجبات قدِّموا لنا الحقوق. فإذا قيل الحق يؤخذ ولا يمنح. حسناً، وها هن النساء لم يطالبن بقيادة السيارة، بل قدن على رغم المنع. فهل حصلن على الحق؟ أم على مجموعة من التسجيلات وزعت في مواقع التواصل الاجتماعي، وهذا يضبطها، وذاك يوبخها ويشتم رجالها، وكأن كل رجال العالم على خطأ، والرجل السعودي وحده الذي صحا من نومه فوجد أنه على صواب حتى في خطئه.
وهذه فقرة من قانون الأحوال الشخصية المتوقع عرضه على مجلس الشورى المختص بحقوق المرأة والطفل: «أحقية اشتراط بقاء المرأة في منزلها بعد الطلاق إذا لم يكن طلاق بينونة كبرى. ولن ينص القانون على بقائها داخل المنزل بعد طلاق البينونة لعدم وجود نص شرعي لذلك، وارتباطه بحق ملكية الرجل لذلك المنزل».
فمتى ما أردنا الوقوف عند النص فعلنا والتزمنا. ومتى ما كان الموضوع في مصلحة الرجل اجتهدنا وتوسعنا، وبكل تمادٍ نقرر أحقية ملكية الرجل للبيت. فماذا عن حق المرأة «بعد» تمتّع الرجل بكيانها وحصوله على أبنائه وخدمته ولياليه؟ يرميها خارج البيت بمجرد طلاقها وإن عاشت فيه عمرها لغياب النص، فهل ظهر النص عند تجيير المسيار وفسح استئجار المرأة لغرف الفنادق؟ ولكن، أليس من يسنّ القوانين هو الرجل؟ أليس هو من ألغى الدراسات المقدّمة من بعض عضوات مجلس الشورى عن وجوب قيادة المرأة مركبتها؟ فالمسألة ستظل انتقائية منحازة ولو جلسنا فوق القبة وليس تحتها، ولن يحسمها سوى القرار السياسي، ولعلّه في 2014.
(الحياة اللندنية)