السيول والفيضانات القادمة
د. باسم الطويسي
31-12-2013 02:40 AM
تتطلب حالة التغير المناخي التي يشهدها العالم، ومنطقتنا جزء منه، إعادة الحسابات بشأن كثير من الأمور؛ ليس فقط بما يتصل بطريقتنا في إدارة أزمات الشتاء، بل وأيضا في نمط البنية التحتية، وثقافة الناس، كما العلاقة مع الطبيعة.
ولعل أهم ما يمكن أن يقال هذه الأيام، هو عن الحاجة إلى التفكير بصوت مرتفع، في نظام وطني لتصريف مياه الأمطار وإدارتها، حتى لا تتحول النعمة إلى نقمة.
التغير المناخي يأتي بطيئا، فلا ننتظر تحولات جذرية بين شتاء وآخر. لكن هنا علينا ملاحظة أن حالات عدم الاستقرار الجوي التي تأتي بأمطار كثيفة، وبأوقات سريعة، قد ازدادت خلال السنوات القليلة الماضية، وهي مرشحة للزيادة أيضا.
إضافة إلى الحالات الجوية العميقة التي تسبب الأمطار أو الثلوج، وكلها تسبب السيول والفيضانات، وأكثرها قسوة تلك المفاجئة بينها.
لا توجد لدينا بنية تحتية ملائمة لمواجهة هذه التغيرات المناخية، وتحديدا في موضوع تصريف مياه الأمطار. وقد لاحظنا في "شتوات" عديدة، أن عمان تغرق "بشبر ماء"، وأن نظام تصريف المياه في المناطق المتوفر فيها، غير كفؤ بالحد الأدنى المطلوب.
أما بشأن بقية المدن الأردنية، فمعظمها لا يوجد فيها تصريف مياه أمطار في الأصل. ولعل أكثر المدن الأردنية تطورا وحداثة في البنى التحتية، هي العقبة. وسمعنا قبل يومين شكوى مريرة من أحد نواب المدينة، بأنها معرضة للغرق نتيجة ضعف نظام تصريف المياه فيها.
المشكلة التي لم يتم الانتباه إليها خلال العقد الأخير، هي أنه في الوقت الذي شهدت فيه السماء انحباسا للأمطار، شهدت البلاد تنمية عمرانية عشوائية في معظم المدن والبلدات.
هذه التنمية العشوائية، التي ساهمت فيها مؤسسات عامة، عملت على تدمير نظم تصريف المياه التي أوجدتها الطبيعة منذ مئات السنين، من خلال حجم الكتل الإسمنتية التي سدت الأودية، وأعاقت حركة انسياب المياه؛ ما يجعل الماء يتحول من نعمة إلى نقمة.
التحدي الحقيقي في مشكلة المياه في الأردن، يكمن في إدارة المياه؛ أي في إدارة الندرة المتوفرة. إذ لا يمكن التدخل في قوانين الطبيعة، كما لا يمكن تصور أن تقوم الحكومة بشق نهر يمتد من المفرق ليصب في الجفر أو باير.
لكن سوء إدارة هذا الملف الحرج الذي لا نتقن فيه سوى الشكوى أمام المحافل الدولية، تكمن في قصة المياه المسكوبة من دون فائدة؛ بعضها يتدفق عبر الحدود الدولية ويذهب لتغذية المخزون الجوفي والمزروعات البعلية في دول مجاورة، وبعضها الآخر يُترك ليتبخر من دون جدوى.
مياه الأمطار على ندرتها، يمكن أن تدشن أنهارا من نوع آخر، عبر مئات السدود الصغيرة، والحفائر العملاقة، وإدارة الحصاد المائي؛ من المفرق والأزرق والجفر والصحراء الجنوبية، إلى عمق وادي السرحان، وصولاً إلى المنحدرات الغربية المذهلة على امتداد الشراه الغربية ووادي عربة.
إذ يتساقط على الأردن ما معدله حوالي 8 مليارات متر مكعب من تدفق الأمطار السنوي، في بلاد تمتاز بتضاريس مدهشة، توفر مساقط مائية ومنحدرات عملاقة لتجميع المياه. وذلك بدل أن تتحول المياه المتدفقة بسرعة، إلى كارثة بالسيول والفيضانات.
(الغد)