أعود للمرّة الثانية (والأخيرة) للكتابة في موضوع الاعتداء الذي تعرضت له. فقد كان ضروريا أن اكتب اول مرّة لشكر الناس الذين أغرقوني في بحر من التضامن والمودّة من مختلف الجهات والمستويات. واكتب الآن (بأسرع مما توقعت على الإطلاق) لأشكر الجهات الأمنية على انجازهم الباهر بالقبض على الجناة وتقديمهم الى العدالة. عفيّة النشامى، الله حيّهم فرسان الحق، حماة العدل، درع دولة القانون والمؤسسات، فخر القائد والوطن والمواطن. انا لا أجامل ولا احبّ الانشاء المتزلف، لكنها والله كلمة حق تقال، وكنت شاهدا مباشرا على أداء يرفع الرأس ويبيض الوجه.
عرفت من اليوم الأول أن هناك اهتماما استثنائيا بالقضية، وهذا امتياز اعترف به لكني ألتمس له عذرا عند من رأى فيه تمييزا، فلم يكن تمييزا لشخص بل تمييزا للقضية بذاتها فهي تنطوي على ارهاب يقوّض سلطة القانون. وجلالة الملك لا يقبل التمييز وحرصه مطلق على سلامة وأمن كل مواطن، وهو حال عودته الى الوطن دعا لاجتماع حول أمن السير اثر حادثة الباص المشؤومة التي هزّت وجدان الأردنيين، وقد اتيح لي حضور ذلك الاجتماع الذي حضره عدد واسع من الوزراء والمسؤولين قدّم فيه كل واحد ما يخصّه في خطّة شاملة للحدّ من حوادث الطرق، وكان جلالته يناقش هذا ويصوّب ذاك ويضع الأمور في نصابها الصحيح. وازاء مقترحات التشدد في العقوبات والمخالفات كان ينبّه الى الجانب الآخر وهو الشفافية والاستقامة والعدل ويحذّر من الواسطة والرشوة، والحق أن مداخلة مدير الأمن العام اللواء مازن القاضي حازت على اعجاب الجميع فقد تحدث بشفافية وتلقائية عن الثغرات والعقبات والاجراءات العاجلة والآجلة، وقال أن الشرطة هي في الصفّ الأول في هذه القضية ولا تضع المشكلة على مشجب آخرين.
كنت منذ اليوم الأول تلقيت رسالة واضحة وحاسمة من مدير الأمن العام في قضيّة الاعتداء شعرت بأثرها في اللقاءات مع مديري الشرطة والبحث الجنائي والأمن الوقائي. وبعد التحقيقات الأولية للشرطة كان دور البحث الجنائي الذي رأيت منه, قيادةً وكوادرَ, تأهيلا علميا واحترافا يثير الاعجاب خصوصا وأنه لم يكن بين يدي من خيوط تساعدهم سوى أنّي رأيت وجه المعتدي ثم جاء دور الأمن الوقائي وقد رأيت مهنية وثقافة واحترافا يرفع الرأس، وكنت استشعر ايضا أن المخابرات ليست بعيدة عن الجو، فبهدوء تام لكن بحرفية ومثابرة على مدار ساعات الليل والنهار لا تعرف روتين الدوام الرسمي في الأجهزة الرسمية الأخرى.
لقد أمكن ومن الصفر نسج القصّة كاملة والوصول الى الجناة في ظرف أسبوع. في المساء استدعيت للتعرف على مشبوهين فتعرفت على المعتدي بينهم. وفي اليوم نفسه تم ابلاغي أن "المهمّة انجزت" وتم القبض على الأشخاص الثلاثة وحجز السيارة وبدأت الإجراءات القانونية لتحويل الملف الى القضاء. ألف تحيّة لهؤلاء الرجال. وهنيئا للوطن والمواطنين وقائد الوطن بهم.
يبقى أن اشير الى ما تتداوله أو قد تتداوله بعض الوسائل الاعلامية والمواقع الالكترونية من استباق بروح تحقيق السبق حول معلومات تسبق المسار القانوني بتكنهات متمنيا الالتزام بالمعلومات الرسمية التي لا اقبل أنا الادلاء بما هو اكثر منها، مطمئنين الى أن القانون سيأخذ مجراه حتّى النهاية تماما كما كان الحرص على كشف الجناة واحقاق العدلّ من قبل الجهات المعنية في ظلّ توجيهات القيادة المظفرة لوطننا الغالي.
jamil.nimri@alghad.jo