"إعلان حرب" و"طوارئ" .. لم لا؟!
د. محمد أبو رمان
30-12-2013 02:58 AM
بعث أحد الحزبيين (إلى برنامج "نبض البلد"، على قناة رؤيا) خلال مقابلة وزير التربية والتعليم، د. محمد الذنيبات، مستغرباً هذا التجهيز الكبير، والاستنفار الهائل للأجهزة الأمنية لحماية قاعات امتحان الثانوية العامة!
الحزبي المتمرّس تساءل متعجّباً من كلام الوزير: "هل نحن في حرب؟!". وربما كرر هذه الجملة سياسيون آخرون؛ مستبطنين بذلك نقداً واضحاً لتصريحات الوزير ومستوى الاستعدادات، بوصفهما "مبالغة"، وفيهما "تخويف" للأهالي والطلبة!
وإذا كان إطلاق مصطلح "الحرب" هو من باب التهكّم أو الاستغراب، إلا أنه وصف دقيق وصحيح لما يجب أن تقوم به الدولة لحماية امتحان الثانوية، بما يمثّله من قيمة كبيرة ومهمة، تتضمن سيادة القانون، وهيبة الدولة، ومبدأ العدالة القانونية، ومنع انهيار السلطة الأخلاقية للدولة والمجتمع أمام الانتهاكات المتكرّرة، ما حطّ كثيراً في الأعوام الماضية من احترام هذا العنوان الوطني المهم والأساس، وإيمان المجتمع بنزاهته وهيبته!
"إعلان حرب"؟! ولمَ لا؟ فالأمر يستحق ذلك وأكثر، لأنّ ما حدث خلال الأعوام الماضية من استهتار الحكومات وعدم المبالاة بالانتهاكات التي شكّكت الناس بالعملية التعليمية بأسرها، وأثّرت لاحقاً حتى على الجامعات نفسها، عبر أعداد هائلة من غير المؤهلين الذين وصلوا عن طريق هذه الانتهاكات، بالإضافة إلى نسبة "الكوتات" المتضخِّمة، لم يبق لمن يكدّ ويتعب وللمؤهلين إلاّ نسبة محدودة في المقاعد الجامعية. فأيّ خلل، وأيّ ظلم، وأيّ نتيجة خطرة يمكن أن تنجم عن ذلك في الأوساط الاجتماعية العامة؟!
لمن لا يعرف أو يتابع، فإن من الضروري التذكير بأنّ الأعوام الماضية انتهكت حرمة امتحان الثانوية العامة جهاراً نهاراً، على مرأى ومسمع من الدولة والمراقبين؛ فاقتحم بعض الأهالي، في محافظات متعددة، القاعات معهم الإجابات، وهدّدوا المراقبين بالأسلحة، وقاموا بتقديم الإجابات لأبنائهم. وهذا ما أخبرني به المراقبون أنفسهم، الذين كانوا ضحايا هذه الإهانة الكبيرة!
وتجاهل مراقبون ورجال أمن، تحت مطرقة الابتزاز والاستقواء، قيام طلبة بالغش عبر الوسائل الحديثة، أو قيام أهال ببث الإجابات الصحيحة لأبنائهم عبر مكبّرات صوت من الخارج.
وعندما أراد أحد وزراء التربية والتعليم حفظ "ماء وجه الدولة" قبل عامين في مدينة السلط، بأن أعلن عن تعليق تصحيح إجابات بعض المواد، نظراً للانتهاكات التي حدثت في القاعات، بدأت أعمال شغب من عشرات المراهقين، واقتحموا مديرية التربية وأحرقوها.
فكانت النتيجة، يا سادة يا كرام، أن تراجع الوزير عن قراره، وقدّم مكافأة لما قام به الأهالي من اقتحام القاعات، والمراهقون من أعمال شغب، فصُحّحت الأوراق و"كأن شيئاً لم يكن"!
ما قام به الوزير الذنيبات من استنفار وتجهيزات لقوى الأمن وكوادر التربية، كان عظيماً وكبيراً، ويحترم عليه، ويحسب له. ونرجو أن يترجم ذلك في الامتحانات كافة، فنوقف الانهيارات المتتالية المتراكمة. فهي حرب لحماية السلطة الأخلاقية وسلطة القانون، كما حماية لهذا الامتحان المهم من الانهيار.
بالمناسبة، طالبت نقابة المعلمين، أول من أمس، بإعلان حالة "الطوارئ"، بسبب المعلومات الخطرة التي كشفها وزير التربية والتعليم بشأن عدد الطلبة الذين لا يجيدون القراءة والكتابة في الصفوف الأساسية الثلاثة الأولى (100 ألف طالب). وهو موقف صحيح ومطلوب من النقابة، بل ومتأخر.
فالمفروض أن المعلمين في الميدان على دراية بواقع العملية التعليمية. لكن المهم أن نخرج بنتيجة مهمة، ونغيّر المسار الحالي المتدهور، بعد إعلان الطوارئ، فلا نتفاجأ غداً بأنّنا دخلنا هذه الحرب وأعلنا حالة الطوارئ، ونحن لا نملك الأسلحة "كساع إلى الهيجا بغير سلاح"!
(الغد)