يؤكد الواقع أن المشروع الصهيوني وأدواته في المنطقة والعالم سيستفيد من حالة التفكك التي يعيشها العالم العربي. فالغرب يعلم تماما أننا في حالة انقسام عمودي، وأن مجتمعاتنا لم تتهيأ لها الظروف الموضوعية لتصبح مجتمعات ذات هوية وطنية جامعة، فقد أخفقت الدولة الحديثة في تجذير الهوية الوطنية، وبقي المجتمع في داخله يعيش صورته الأولية سواء الطائفية أو المذهبية أو القبلية، ومن هذه الزاوية الحرجة تدخّل الغرب والصهيونية بشكل مباشر لتنفيذ جزء من مخططاتهم.
وبرزت على السطح أشياء جديدة لم يكن لأحد أن يتصور حدوثها، فقد نجح "روبرت ساتلوف" المدير التنفيذي لمعهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى في سعيه لتكريس فكرة (الهولوكوست)، ودور العرب فيها، وإن كان بمساعدة اليهود، كما أكد في كتابه (الهولوكوست والعرب.. حقائق منسية)، ولكن معهد (ياد فاشم) الذي كرم 20 ألفا، ممن قاموا بإنقاذ أرواح الكثير من اليهود، لم يكرم أيّاً من العرب الذين قاموا بعمليات إنقاذ الكثير من اليهود في الفترة نفسها!
نحن نعرف أن (الهولوكوست) قصة أوروبية خالصة تؤدي بمن ينكرها من باحثين ومؤرخين وصحفيين لمواجهة حرب شرسة من قبل الصهيونية العالمية، مع تجاهل أن الشعب الفلسطيني يتعرض بشكل دائم لحرب إبادة من قبل دولة الاحتلال الصهيوني.
ولكن ساتلوف يذهب إلى أن ( الهولوكوست) قضية عربية في الوقت نفسه، فقبل أيام عقد في تونس، مؤتمر لإحياء ذكرى 5,000 يهودي تعرضوا لعمل السخرة خلال الاحتلال النازي الألماني لتونس ولإحياء ذكرى العرب المسلمين الذين أنقذوا اليهود خلال تلك الفترة لترسيخ فكرة الهولوكوست وتثبيت عالميته.
المؤتمر عُقد برعاية مشتركة من قبل "الجمعية التونسية لدعم الأقليات" و"مؤسسة التفاهم العرقي" التي تتخذ من نيويورك مقراً لها، ويعد هذا المؤتمر أول مؤتمر يعقد في دولة عربية، وخصوصا أن هذه الدولة تدار من قبل حزب النهضة التونسي، الذي يفترض انه على خط مواجهة المشروع الصهيوني في المنطقة.
والملفت للنظر أن المدير التنفيذي لمعهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى الدكتور روبرت ساتلوف تحدث إلى الحضور بالعربية عن طريق "سكايب"، هذا الرجل الذي يكن هو ومعهده العداء للعرب والمسلمين والفلسطينيين، ويساهم في توجيه السياسات المعادية للمنطقة.
هذا المؤتمر الذي يخلد ذكرى "الهولوكوست" حدث في تونس شرارة "الربيع العربي" وتحت سمع وأبصار ومباركة "الإخوان المسلمين"، الذين يحكمون تونس، فلم نسمع عن أي رد فعل من قبل أحد من أعضاء حزب النهضة ضد المؤتمر، فما حصل في تونس الجديدة هو ترسيخ لأفكار ساتلوف لكسر أي حاجز مع العدو الصهيوني!ولكن ماذا عن الشعار الذي تصدح به الحناجر في كل مظاهرة "خيبر خيبر يا يهود جيش محمد سوف يعود "
(الغد)