انهيار العرب وغياب وحدتهم
د.حسام العتوم
28-12-2013 01:59 PM
عندما اندلعت ثورة العرب الكبرى التي فجرها شريف العرب (الملك حسين) عام 1916 من مشارف مكة وقصدت في توسعها (المدينة) و(معان) و(دمشق والقابون) في آن واحد، لكنها لم تنجح كما في الأردن، ومن هنا شكلت نواة ليس لبناء دولة الأردن فقط بل دولة لكل العرب وأحرارهم، واطلق عليها الأمير فيصل شيفرة (الفرس الشقراء) لكي لا ينتبه الأتراك لحراكها، فكانت نهضة وكانت ثورة وهو ما عرفته من كتاب (الحركة العربية للمؤرخ الأردني الكبير المرحوم سليمان الموسى. ص 301 – 309)، وفي المقابل نسجت الدولة العثمانية والاستعمارين الإنجليزي والفرنسي ومن خلفهم الصهيونية الماكرة مؤامرتي (سايكس بيكو) 1916 و (وعد بلفور ) 1917 اللذان يراد لهما الاستمرار في مخططاتهما حتى يومنا هذا، والعالم من حولنا أصبح يعي بأن قوتنا كعرب تكمن في وحدتنا وهو ما أكده تاريخ 22 ديسمبر 2013 دولة عبد الرؤوف الروابدة رئيس مجلس الأعيان في محاضرته في جامعة البترا عن (الربيع الأردني) الذي أكد من خلالها بساطة سبب تموج الربيع العربي من بلد عربي إلى آخر عام 2011 وارتباطه بحادثة البوعزيزي وعمقه وسط الفساد والديكتاتورية وانتشار المظالم، لكن دولته نفى نظرية المؤامرة وهنا اسمح لنفسي بأن اختلف معه لأثبت كيف بدأ الربيع بالاصلاح وانتهى بالمؤامرة الدولية التي جرّت خلفها دولاً عربية أيضاً.
سؤالي هنا هو هل بدأ الربيع العربي من تونس عام 2011 حقاً واخترق ليبيا وسوريا ومصر واليمن أم أنه بدأ من بغداد عام 2003 مع عدم اتفاقي مع بداية ونهاية الحدث العراقي الذي بدأ أيضاً لأسباب إصلاحية وتراكم أخطاء سياسية وعسكرية غير مسحوبة النتائج مثل الحرب مع إيران ثم مع الكويت وقصف إسرائيل بصواريخ صوتية وانتهى بإخراج مأساوي عبر إعدام (الرئيس) وتسليم (العراق) من قبل أمريكا (المحرِرة!!) و جحافل الناتو لإيران على طبق من ذهب ومواصلة ارتكاب جرائم حرب إنسانية قوامها ملايين من الأبرياء والدخول في تقسيم الدين إلى سنة وشيعة بينما هو دين الله وشرعه واحد، ثم ألا يجور اعتبار نهضة العرب من قلب صحراء الجزيرة وثورتهم العربية 1916 ربيعاً عربياً بامتياز أيضاً؟ وهل الربيع العربي الذي أطاح بالأنظمة العربية الجمهورية ومنها التي تشكلت على ظهور الدبابات لم يحاول اختراق غيرها تحت مسميات عديدة من أهمها (الملكية الدستورية) المتسرعة دون احتساب لغياب الإنتاج والحزبية العقائدية والمدنية والبنية التحتية القوية والإعلام اللامركزي غير التقليدي الفاعل المتحدث باسم كل الوطن والأوطان، ومع هذا وذاك، نجد أن الأنظمة الجمهورية فشلت أمام امتحان الربيع العربي الإصلاحي ونجحت وصمدت الأنظمة الملكية وأثبتت قدرتها على الاستقرار ومواصلة البناء.
في كل مرحلة من مراحل النهضة والثورة والربيع بدأ الحراك إصلاحياً، ومن تآمر على التاريخ واصل مسلكه في الحاضر ومخططاً لمستقبل قاتم لهم وأول طلائعه المزيد من القسمة، وتونس طليعة الربيع شكلت حالة منفردة وخاصة ولم تقفز إلى وسط المؤامرة وبقيت تحارب الفساد وهذّبت الحكم فيها، وفي ليبيا وفي العراق اختلط الإطاحة بالفساد بتمرير مؤامرة الناتو وبينما هي ليبيا من دون قيادة هو العراق أيضاً يعمل بقيادة فاقدة السيطرة وبذور حزب البعث قد تنبت فيه هناك من جديد، وروسيا التي حطت بثقلها في سوريا بواسطة استخدام الفيتو بالاشتراك مع الصين بوجه أمريكا والغرب والناتو الذين استهدفوا نظام دمشق المتسلح وقتها بالكيماوي غير التقليدي الخطير لم يخطر ببالها استخدامه في العراق وليبيا واكتفت بالتفاوض من قبل الشخص السياسي رفيع المستوى يفغيني بريماكوف والمراقبة والمتابعة والاحتجاج على الاجتياح فقط ثم صحت من جديد كي لا يصل قطار الربيع إليها بصحبة القاعدة بالطبع تاجرة الحروب ولأسباب أخرى ذات علاقة بالحرب الباردة السرية مع الغرب ولمصالح اقتصادية محددة استثمارية كبيرة.
كتب الدكتور جمال واكيم مؤلف كتاب (صراع القوى الكبرى على سوريا ص 203) بأن التجمعات والمنتديات السياسية بدأت بالانتشار في ما عرف بربيع دمشق بين عامي 2000 و 2002، إلا أن هذه المنتديات الداعية إلى الإصلاح أوقفت بضغط من الأجهزة الأمنية أواخر عام 2002، وكانت الضغوط الخارجية التي بدأت تمارس على سوريا منذ بداية الألفية الجديدة أحد العوامل التي جعلت الأسد الابن يخشى تحولاً سياسياً سريعاً يدك أركان النظام ويزعزعه، ولهذا نجد بأن النظام في دمشق الذي صنع من الطبيب بشار الأسد ليس رئيساً أبدياً فقط بل ملكاً بثوب رئيس وبطريقة (ملكورية) واضحة حولته إلى رمز للسلطة وهو ما يؤكده الكاتبان رايموند هينبوش و ستيفن هايدمن في كتابيهما عن سوريا الثورة والسلطة، لم يستطع أن يلتقط إشارة الربيع بنجاح وماج القرار بين الرئيس الشاب الليبرالي وبين (العائلة) صاحبة كل المصالح في سوريا، وبين نظام البعث المجمدة أركانه إلى جانب نائب الرئيس فاروق الشرع المسحوبة صلاحياته رغم مراهنة الغرب عليه طويلاً، واعتمدت دمشق الخيار الأمني والعسكري وقدمته على السياسي وبدأت تغرق في وحل الأزمة بالتدريج، وعندما شاهدت المعارضة الوطنية تتزنر بتنظيم داعش بشقيه القاعدة وجبهة النصرة إلى جانب البشمركة الكردية وميليشيا وحش في الشمال والسلفية الوهابية وغيرهم وهو خطأ فادح قابلته باللجوء إلى حزب الله والعباس والحرس الثوري الإيراني لإسناد (الجيش ) ضعيف الخبرة في حرب الشوارع فتصاعدت الكارثة بالارتكاز على المصالح المشتركة ومن أهمها الأمنية وارتفعت جرائم الحرب.
تجريد سوريا من السلاح الكيماوي الخطير خطوة بالاتجاه الصحيح تسجل لموسكو وواشنطن ودمشق في زمن واحد للوصول إلى حل سياسي مقنع حالة انعقاد جنيف 2 الذي يتموج بين الواقع والسراب حتى الساعة، ودمشق بنظامها الحالي ليست بحاجة لسلاح يدمر الغير بل لمعاهدة دفاع مشتركة لحماية الذات والانفتاح السياسي على الداخل والخارج بدلاً من الانغلاق والتمسك بالمعارضة الوطنية المسالمة فقط أو بإقامة علاقات انتقائية عربية ودولية، وما يجري في سوريا من عنف يتناغم مع عنف بغداد ولبنان رغم التحالف مع إيران والولاء لها، ويبعد الأنظار عن فلسطين المحتاجة لتحرير وحق العودة والتعويض وتفريغ المستوطنات من ساكنيها اليهود وترسيم القدس الشرقية عاصمة لها وتثبيت عروبة فلسطين التاريخية أيضاً، وروسيا التي ثبتت أرجلها في دمشق بدأت عازمة على التعاون معها للبحث عن النفط والغاز في المياه السورية الدافئة ولها معها صفقة سلاح مليونية دفاعية مستمرة.
لن يستطيع العرب رسم احترامهم وهيبتهم على العالم من دون وحدة وكفاهم تمزقاً وإصغاءً للاستعمار الخارجي وتمويله لهم وهم الأقدر على رعاية أنفسهم باعتمادهم نظاماً سياسياً وإدارياً ومالياً واحداً، ومجرد الإمعان في عدم تلبية نداء ثورتهم العربي الأولى من أجل الوحدة جريمة سيبقى التاريخ القادم يسجلها، والربيع العربي الذي جاء بعكس التوقعات لن يوصل إلى وحدة ولا بد من النفخ في الإرادة وتحكيم الضمائر وأخذ العبرة من شعوب توحدت رغم عدم امتلاكها لغة واحدة كما العرب في كل أقطارهم ومثلي هنا أوروبا وبلاد السوفييت حت بسيادة اللغة الروسية، وأفريقيا، فمن المستفيد من غياب الوحدة ومن استمرار الشرذمة والتفسخ يا ترى؟ والجواب هنا واضح أنه العجمي المتمترس خلف خط الشرق وخط الغرب، وبينما هي مناطق العالم التي توحدت تغزوا الفضاء وتبدع في التكنولوجيا نترنح نحن العرب تحت الاحتلال المباشر في فلسطين وفي الجولان السورية وتلال ومزارع شبعا اللبنانية وفي جزر الإمارات ومدن المغرب، وتحت وطأة الاستعمار غير المباشر الذي يملي شروطه علينا كعرب من حيث ندري أو لا ندري حتى أن لغتنا العربية تراجع تصنيفها عالمياً واختلطت بالعامية وبكلمات لغات العالم المختلفة، فهل يقرع العرب أجراس وحدتهم بأنفسهم دون الالتفات للآخر؟ دعونا نتأمل ونحلم.
Husam02@mail.ru