كتاب الدكتور محمد العساف حول الديمقراطية (2/2)
ممدوح ابودلهوم
28-12-2013 03:09 AM
(مدخل تشخيص.. بمثابة اصطفاف)
ما زلنا نجول مع المفكر الدكتور (محمد إبراهيم العساف) المستشار في رئاسة الوزراء الموقرة ، ومع تجليات ما جاء في منجزه الفكري في أقنوم الفلسفة السياسية وأعني كتابه النوعي التثويري والتنويري في آن معا (الديمقراطية في الفكر العربي المعاصر) ، والصادر حديثا عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر في بيروت ودار الفارس للنشر والتوزيع في عمان بإدارة المثقف المعروف الناشر (ماهر كيالي) ، مع التنويه بالحفل الدفيء لاشهار وتوقيع هذا المؤلف الهام بغير مقياس وأكثر من تقييم ، والذي أقيم السبت الماضي برعاية دولة العين الدكتور (معروف البخيت) و بحضور معالي الدكتور (جواد العناني) وسعادة الدكتور (سلمان البدور) الأستاذ في الجامعة الأردنية .
وكان الدكتور العساف قد أضاء في كلمته جوانب من اشتغاله على هذا الكتاب ، مفتتحاً اضاءته بإشارة إلى اشكالية تبيئة الديموقراطية في الوطن العربي ما حفزه على إصدار هذا المؤلف ، ضمن محاولة طموحة للتأسيس لحالة تنظيرية حقوقية فلسفية ، من شأنها الإسهام في مساعدة العقل العربي ( العملي ) على الإسهام في إعادة البنى الدستورية والتشريعة والثقافية لمؤسسات الحكم وكذا المجتمع المدني ، فضلاً عن التوفر على وسائط مناسبة إزاء التاريخ المعاصر في الديموقراطية من حيث هي قضيته الكبرى ، وفي هذا المقام أضاف العساف بأنه درس الشروط الفلسفية المسبقة للديموقراطية ، في العدالة بشروط خلق المجتمع المدني ووجود الأحزاب السياسية ناهيك بضمانات الديموقراطية دستورياً في القانون و مؤسسياً في حرية التشكيل ، و الانضمام للمؤسسات عبر فضاءات حرية التعبير و حرية التصويت وما إلى ذلك من تجليات ، وأشار في كلمته بأنه ناقش أفكار مشاهير الفلسفة العربية مضيفاً بأنه اشتغل على العلاقة بين المفاهيم الثلاثة الديموقراطية فالعلمانية والشورى ، بل وفكرة ديانة الدولة في مقابل الدولة المطلوبة مدنياً ، موظفاً في محاولته هذه مفاهيم التعبئة و الاستدماج الديموقراطي وسياسة الإعتراف بالاخر فضلاً عن شرائط التعليم و التسامح والاحترام المتبادل ، و بهذا الصدد ناقش الحالة التركية بوصفها حالة متقدمة في سياق علاقة اسلام / ديموقراطية / مؤسسية ، إلى ذلك عرّج المؤلف على وسائله في دراسة الانترنت من حيث هو شرط من شروط التحول الديموقراطي ، مضيئاً في الآن ذاته قراءته لتوجهات المفكرين العرب تجاه الديموقراطية بين القيمة والإجراء و الأهم القيمة الشورية الخالصة ، إذ قال ما مفاده أنه وجد فقراً لدى عدد من المفكرين العرب في عرض (النظرية الديموقراطية الليبرالية ) ، إذ عزا أن سبب ذلك قد يعود إلى الإختلاف في المنهج والذي بدوره يؤدي الى الإختلاف في النتيجة ومن هؤلاء الجابري و غليون و بشارة..
كلمة حق يجب أن تقال في كتاب الأستاذ العساف هذا والذي كما أشرنا في مفتتح هذه المقالة المتواضعة ، قد تضمن أربعة فصول رئيسة توافرت فيها عناوين تناقش المجتمع المدني والحريات العامة والأحزاب السياسية والطرق المثلى في الوصول إلى مجتمع ديمقراطي ، مستعينا بأبرز الأفكار التي طرحتها قامات المعرفة التي ناقشت مفاهيم الديموقراطية والعلمانية والشورى و طبيعة الدولة المدنية ، مشيراً أيضاً إلى سياسات الإعتراف بالآخر والتسامح و دور المرأة ووسائل الإعلام الجديد في التحول الديموقراطي .
من هنا و بإنتظار قراءة معمقة لهذا المؤلف الهام في موضوعته الحيوي في مناسبته ، قراءة متأنية شرطها الصارم هو أن تتوسل ما فيه من ثراء و عمق و تفيه حقه الذي يستحق ، نعرض هاهُنا ، و بإيجاز ، عناوين فصوله الدسمة و المغدقة في آن معاً ، فالفصل الأول جاء بعنوان الديموقراطية و شروطها جد فيه المؤلف النابه فجاد و أجاد ، مغطياً معظم ما بمكنة الدارس تسميته بعلم الديموقراطية تعريفاً و تجنيساً في إطار الأسس الفلسفية للديموقراطية ، ناهيك بعرض شامل لم ينقصه عمق التحليل لموضوعات المجتمع المدني ، العدالة ، مفهوم الحرية ، المساواة ، الدولة الحديثة – عن مفصل ( ضرورة الدولة )، فالمواطنة ، ثم الأحزاب السياسية ، و أخيراً نحو تأسيس ثقافة سياسية و تربية مدنية .
أما الفصل الثاني فقد جاء بعنوان ضمانات الديموقراطية ناقش فيه ضمانات الديموقراطية الدستورية ، القانونية، المؤسسية ، و حرية التشكيل والإنضمام للمؤسسات ، فضلاً عن حرية التعبير و حرية التصويت ، ثم عن أطروحة الأهلية لتولي المناصب العامة مدعمة بمصادر بديلة للمعلومات ..
إلى ذلك فقد ختم المؤلف هذا الفصل بمناقشة عدة قضايا تُنصف هذا المقال ، ما نمذجته تدور حول السبيل إلى انتخابات حرة و عادلة و مفصل الحاسبية وعن جدلية الأكثرية و اعترافها بحقوق الأقلية و أخيراً مفصل التنمية ..
أما الفصل الثالث فعن ثالوث الديموقراطية و العلمانية و الشورى .. وسائلَ .. تنظيراً و تطبيقاً ، ولم يُغفل في هذا الفصل عامل الدين ووظيفته في التغيير و الحياة الحديثة و دوره في أقنوم الديموقراطية ، قبل أن يناقش ما أسماه الفعل الإجتماعي وعن منشأه و اشتقاقه في هذا المقام..
أما الفصل الرابع و الأخير فقد عنونه الدكتور العساف بالمجال السياسي الديموقراطي ، كي يناقش وفي ضوء ذلك غير موضوعة ثرّة لا تخطىء أهميتها عين ولا يستثني مضمونها لب ، لعل أهمها فيما أحسب هو عن علاقة الديموقراطية بالتبعية ناهيك بما أسماه المؤلف الإستدماج الديموقراطي ، فضلاً عمّا عنونه بجدلية ما أسماه بسياسة الإعتراف بالأخر ، ليختم هذا الفصل بموضوعتين يُشار إلى ضرورتهما فضلاً عن دورهما في الحياة الديموقراطية بوجه عام ، وهما التعليم والتسامح كمفصلين رئيسين لا بد منهما في تفعيل مقامة الديموقراطية – موضوعة الكتاب .
وإذا بقي لنا من كلمة هاهُنا .. و على الجملة ، فهي للحكم بثقةٍ و بإطمئنان شفيفين جامعين ومانعين على ما بين دفتيّ هذا الكتاب السامق الشأن السامي القيمة والمقام ، من فصول و مفاصل سيرى إليها المنصفون من النقاد و المؤرخين فضلاً عن الباحثين المثقفين ، بأنها تستوي مراجع لا بد منها في أي حراك سياسي من بابه الديموقراطي تنظيراً و تطبيقاً في آن معاً..
بل لعل أهميتها القصوى والتي أحسب أنها تجُبُّ أي أهمية أخرى في هذا المنحى المحوري و الحيوي أيضاً ، تتمثل في أنها ستكون في مقدمة الإصطفاف كأذرع ديموقراطية و روافع سياسية ، نحو ما نحن إليه أيامنا هذه من احتشادات وطنية يقودها بإدارة حكيمة جامعة و إرادة اقتداروية مانعة جلالة الملك حفظه الله و رعاه ، ما نمذجته تجلت مجتمعة و منفردة في خطب العرش السامي وفي أوراق جلالته النقاشية الأربع وما نستثني مؤلفه الأثير الثّر (فرصتنا الأخيرة) ، و أعني احتشاداتنا النشموية مع جلالته عبر التنمية الشاملة أو الإصلاح الشامل نحو الإستقرار السياسي في الأردن كهدف عريض في نهاية المطاف ..
من هنا ووفق التخريجة أعلاه ، خلوصاً ، فهاهُنا تأتي و بحق أهمية كتاب الدكتور العساف هذا ، كلبِنة رئيسة لها صدارة الموقع في المعمار الديموقراطي في البلاد تخصيصاً و تعميماً في ذات الآن ، ما يؤكد وبكلمة فصلَ خطاب على أن هذا الكتاب يُشكل كتفاً ضمن الاطصفاف آنفاً بهمة و عزم ما تلين لهما قناة ، وهي شهادة أمام الله والتاريخ بحق الكاتب والكتاب ما يعوزها إثبات ولا ينقصها حكم أو تقييم .