سِيَبوَيْهِ دكتاتورُ النحوِ ومُحنّطُ العربية (6)
د.عودة الله منيع القيسي
26-12-2013 02:47 AM
بعض المثقفين الذين قرأوا مقالتي الأولى عن – ديكتاتورية سيباويه – طالبوني – مشكورين – بأن أوضح الإصلاح الذي أراه يخرج – الفصحى – من قيد التجميد , وأقول : أنا ماضٍ ، في بضع مقالات لتوضيح القواعد التي وضعها سيبويه والتي جمدت الفصحى ، لكن الجواب الكامل عنالإصلاحات والتغييرات التي قدمتها عن بعض قواعد سيويه في كتابي المسمى(رؤىً – نحوية وصرفية – تجديدية )المكون من أربعة أجزاء والمطبوع في – دار البداية /عمان – طلعة الشابسوغ – هـ 4640679
7- ومن أسباب ذلك التجميد والتحنيط-أخطاء سيبويْهِ- وسائر النحاة- بأنهم أعربوا حركاتِ تركيبِ التعجّبِ أعرابَ التراكيب المرنةِ:
- قال سيبويهِ (هذا .. باب ما يعمل عمل الفعل،ولم يجْرِ مجرى الفعل،ولم يتمكن تمكّنَهُ ) –
( وذلك قولك :ماأحسنَ عبدَالله-! –زعم الخليل أنه بمنزلة :شيءٌ أحسنَ عبدَالله،ودخله معنى التعجب.(وهذا .. تمثيل ولم يتكلم به).ولا يجوز أن نقدم- عبدالله،ونؤخر –ما- ولانُزيل شيئاً عن موضعه.ولا نقول فيه:ما يَحْسُن، ولا شيئاً مما يكون في الأفعال- سوى هذا(16).
- أقول :هذا.. يعني أن (ما أفعلَ الشيءَ-و- أفعِلْ بالشيءِ) هما تركيبان نمطيان /قالبيان.أعني أنه تركيب ثابت –الرتبة –وقوله(هذا ..باب ما يعمل عمل الفعل) –مُشِيراً –عنده-على أنّ عبارته عاده (مُعْرَبة). وابنُ مالك يعتبر هذا التركيب مُعْرِباً–كما أعربَ العبارة الآتية ابنُ عقيل شارح الألفية (ما أحسنَ زيداً-!) –فالإعراب ،عنده،كالآتي( ما- مبتدأ.وهي نكرة تامّة، عند سيبويهِ.و(أحسنَ) :فعلٌ ماضٍ،فاعله ضمير مستتر عائد على –ما- و"زيداً" مفعول –أحسَنَ. والجملة: خبر من –ما- واالتقدير:شيء أحسَنَ زيداً،أي :جعله حسناً).
- أقول ،وأتساءل :ألهذا التركيب الثابت الرتبة-إعرابٌ؟ الجواب-لا. عندي.
وشرح هذا كالآتي:
.. الجمل في العربية نوعان: جمل نماذجية تحليلية (وهي التي أطلق عليها الدكتور ناحوم تشومسكي- الجمل التوليدية –والجمل التحويلية)وكَثْرتُها في العربية تبلغ تقريباً–(90%) –تسعين بالمئة.وجمل أخرى هي الأنماطية الوصفية،وهي قليلة في العربية لا تبلغ أكثر من (- 10%)- عَشَرَة بالمئة(17).
- الجمل النماذجية التحليلية .. جمل مرنة التركيب يحدث فيها تقديم وتأخير- مثل: (صامَ المؤمنُ رمضانَ) .يمكن أن نقول: صام رمضانَ المؤمنُ- أو المؤمنُ- رمضانَ –صامَ –أو رمضانَ .. صامَهُ المؤمنُ.وهذا... لا يأتي اعتباطاً، بل إن هذه- المرونة –لها قيمة كبيرة في الدلالة على المعنى المراد.فإذا قال المتكلم الجملة الأولى (صام ...) فقد كان أهم نقطة عنده- الصيام،ويليه،في الأهمية المؤمن، ثم –رمضان. وإذا قال: (صام رمضان المؤمن)كان الذي يلي( صامَ ) في الأهمية –رمضان- فإذا قال (المؤمن- رمضان صامَ) كان أهم شيء- المؤمن- ثم رمضان ثم صام .وإذا قال ( رمضانَ ..صامه المؤمن) كان التركيز على رمضان، ثم على الفعل(صام) ثم كان المؤمنُ أقلَّها أهميةً.وهذه المرونة لا تمتلكها لغة أخرى.العربية-وَحْدَها –هي التي تمتلكها.
- وتتبدّى لك أهمية هذا التقديم والتأخير،عندما تتدبر مثل قول الله تعالى:[ ووصّى بها إبراهيمُ بنيهِ-ويعقوبُ..]-(البقرة -132). فهنا- إبراهيمُ- عليه السلام-فاعل، ويعقوبُ –عليه السلام-فاعل،ولكن –جاء إبراهيم بعد الفعل،وأُخّر يعقوبُ، بعد المفعول (بنيه). وهذا .. له معنىً بلاغيٌّ لا يؤدَّى بغير هذا التقديم والتأخير- من دون تطويل الكلام- فإبراهيم هو الجدّ،وهو رسول نبيّ،نزلت عليه صُحُف. ويعقوب هو الحفيد،وهو نبي لا رسول،لم ينزل عليه كتاب. فدلّ القرآن على هذا-الفرق- بين الجدّ والحفيد، بهذا الفصل بينهما، فَقُدِّمَ الجدُّ،وأُخّر الحفيد،لأنه ليس من رعاية المقامات أن يأتيَ الحفيد، بعد الجدّ،مباشرة،كأن يقال(ووصى بها إبراهيمُ ويعقوبُ- بينهما). فكانت جمالية تعبير القرآن أنه كان –عادلاً- في جعل الحفيد، مؤخراً ، بعد المفعول به. فحُفظت بذلك المقامات، ولم يسعفنا على معرفة أن الجدّ –فاعل- وأن الحفيد –فاعل( على مجيء الحفيد بعد المفعول)- إلا حركاتُ الإعراب.
- وإذن .. مثل هذه الجمل النماذجية التحليلية- غير ثابتة الرتبة... يجب أن يكون عليها حركات تُعْرَبُ- لتمييز المعنى المُراد.
- أما الجمل الأنماطية الوصفية- الثابتة الرتبة-كالجملة السابقة( .. ماأحسَنَ زيداً)- فليس لها (إعرابٌ) في الحقيقة،- إنما لها حركات- ثابتة عليها. هي الفتحة على الكلمة الثانية- وعلى الكلمة الثالثة.وهذا... نمط يقاس عليه قياساً والقياس على مثله أسهل من الإعراب،بكثير،لأنه لا يتغير ترتيب الألفاظ- فيه- ولا تتغير حركاته. أمّا إعرابه الذي جاء به النحاةُ... فهو إعراب- مُفتَعَل متكلف، لا قيمةً له،ولا دلالةً.. فإذا نظرنا إلى إعراب ابن عقيل لعبارة (ما أحسنَ زيداً) وجدناه –لا ينبع –من داخل التركيب،وإنما هو مُجْتَلب- عليه اجتلاباً؛ فإن (أحسنَ) ليس فعلاً –كما قال سيبويه- (هذا باب ما يعمل عمل الفعل،ولم يجرِ مجرى الفعل).والحقّ..أنه لا يعمل عمل الفعل(خلافاً لسيبويه)، لأن –زيداً – ليس مفعولاً أبداً. لأنه لو كان مفعولاً على معنى (شيءٌ أحسنَ زيداً) أو (شيءٌ أحسنَ عبدَالله)-كما زعم الخليل –لما كان (تعجباً) لأن جملة التعجب.. جملة إنشائية .أما (شيءُ أحسنَ عبدالله أو زيداً) فجملة خبرية (لا إنشائية) –والجملة الخبرية .. قد- تفسِّر- الجملة الإنشائية ،ولكنها –لا تقدَّرُ – مكانها؛ لأن الفرق في المعنى-واسع- بين تعجبنا من حُسْن زيدٍ،بقولنا: (ما أحسنَ زيداً) –وبين إخبارنا عن زيد- بأنه (شيءُ أحسَنَ زيداً).ويبين لنا الفرق جليّاً عندما نأتي بعبارة- تعجبية- كقول الشاعر:
( ما أقدَرَ اللهَ –أن يُدني على شَحَطٍ مَنْ دارُهُ الحَزْنُ ممن دارُهُ- صُولُ-!).
وبين معناها وبين محاولة تفسيرها بقولنا : (شيءٌ أقدرَ اللهَ). أستغفر الله العظيم!! ما هذا الشيء الذي ُيفعل بالله... فيقدرَهُ؟ واللهُ هو المقْدِرُ لكل شيء، ولا شيءَ يقع في العقل أنه يُقْدِرُ اللهَ. فكيف،وهو الخالق ُوالمُقْدِرُ والموجدُ؟؟ّ!!-هذا .. هرطقة من القول!
- وأيضاً .. هذا الإعراب المجتلب المتكلف- للتعجب –يُعَقّد طالب العلم، لأنه إعراب غير مفهوم للعقل،لأنه ليس نابعاً من جوف الكلمات –كقولنا(صامَ المؤمن رمضان). فهذه إعرابها فيها:- فصام :فعل-والمؤمن: فاعل –ورمضان: مفعول.
- إذن .. النحاة ،جميعاً، كانوا-في –غفلةٍ-وبصيرةٍ عليها غشاوة- عندما اعتبروا الجمل-الأنماطية الوصفية- تُعْرب كما تعرب الجمل النماذجية التحليلية- كانوا في ذلك منذُ أوّل نحويّ حتى آخر نحوي-في هذا العَقد.
- وإذن –باعتبار الحركتين ( ً الفتحتين) على الكلمة الثانية والثالثة من تركيب التعجب-والقياس عليها-واطّراح الإعراب المُتكلف ... نحلّ مُعضلةً من معضلات النحو، ونُلقي نصف –عِبْء – الإعراب عن كاهل طلاب العلم بل والعلماء- لأن الوقت الذي يُنفق-لحفظ –هذا الإعراب المتكلف- حفظاً ،لا فهماً (لأنه إعراب غير مفهوم)على قِلّة تراكيبه-يساوي كلّ الوقت الذي ينفق لفهم إعراب التراكيب النماذجية التحليلية،على كثرتها، لأن الفهم ...ُيسّهل –التعلّم-وانعدام الفهم أو ضعفه .. يُصعّب التعلُّم.
- ومثل صيغة –التعجب-(ما أفعَلَ الشيْءَ) صيغةُ (أفْعِلْ بالشيْءِ) –لها حركات،وليس لها –إعراب. .....يتبع