(الديموقراطية في الفكر العربي المعاصر) جديد (د.محمد العساف)
ممدوح ابودلهوم
26-12-2013 02:40 AM
صدر قبل أيام وعن المؤسسة العربية للدراسات والنشر في بيروت و دار الفارس للنشر و التوزيع في عمان ، كتاب ( الديموقراطية في الفكر العربي المعاصر) لمؤلفه (د. محمد العساف) المستشار في رئاسة الوزراء والباحث في حقليِّ الفكر الإنساني والفلسفة السياسية.
هذا الكتاب والذي جاء في (500 ) صفحة من القطع الكبير هو في الأصل أطروحة أكاديمية ، نال عنها الدكتور العساف درجة الدكتوراة في الفلسفة السياسية بتقدير امتياز من الجامعة الأردنية ، و قد أشرف على الرسالة وقدم أيضاً للكتاب الأستاذ الأكاديمي المعروف (د.سلمان البدور).
إلى ذلك أيضاً فقد حفل هذا المؤلف الهام بغير حكم و أكثر من تقييم بعدة محاور مفصلية انضوت تحت أبواب أربعة حيوية رئيسة ، ففضلاً عن مقدمة أخرى لمؤلفه الدكتور العساف تلت مقدمة الدكتور البدور بعد إهداء و فهرس بمحتويات الكتاب، ناهيك بأنه و كما أشرنا آنفاً جمع بين دفتيه فصولاً أربعة أتبعها بخاتمة ثم قائمة وثبت بالمراجع العربية والتي نافت على (143) مصدراً، أما المراجع الأجنبية فقد كان قوامها (186) مرجعاً و مصدراً غربياً.
في السياق ذاته وبالمناسبة فقد أُقيم السبت الماضي في المركز الثقافي الملكي حفل إشهار و توقيع هذا الكتاب ، و قد رعى الحفل والذي أداره الكاتب ممدوح أبو دلهوم دولة العين (د. معروف البخيت ) و بحضور معالي (د.جواد العناني) و عطوفة (د.سلمان البدور) .
قُدِّمت في الحفل آنفا والذي حضره لفيف من الباحثين والمهتمين وكذا من زملاء وأصدقاء وأهل المؤلف ، ثلاث ورقات مبتسرة على شكل هوامش أو خلاصات جاءت على هذا النحو من الذوات الأساتذة الأربعة على المنصة الرئيسة ، تواضعا أولاً مما هو من سمت العلماء العارفين واحتراما ثانيا لعامل الوقت في مناسبة بروتوكولية أو كرنفالية كهذه ، إذ الوقت و في هكذا احتفائية لا يسمح و فيما نعلم جميعا لقراءات نقدية معمقة تنصف موضوعة الكتاب الثرة وجهد مؤلفه المخلص في آن معاً ..
المداخلة الأولى كانت لدولة راعي الحفل الدكتور البخيت والتي جمعت بين التسجيل والإرتجال ، أضاء فيها دولته غير ملحظ أحسب أنه في مكنة المتلقي أن يرى إليها عناوين تنضوي تحتها متون ومتون ، إذ نوه بإحتشادات الدكتور العساف وتوفره في هذا المؤلف على شرائط العمل الديمقراطي بوجه عام ، وذلك عبر تركيزه على ما يجب أن تكون عليه قواعد المجتمع المدني ، مشيرا إلى أن الكتاب جاء مدعما بأساليب البحث والتحليل ، لكن ليس بتشخيص جامد أو صارم بل بسلاسة وبلاغة لعل رأس الرمح فيها كان هو الرجوع بتؤدةٍ ونظرٍ نابهين و مشهودين ، إلى أفكار ونظريات قائمة واسعة من المفكرين والفلاسفة الذين ناقشوا مسألة الديمقراطية ، مشيداً في نفس الوقت بجهود المؤلف ومؤلفه الذي اعتبره البخيت إضافة إلى المكتبتين المحلية و العربية ، واصفاً الكتاب بالجاد الذي يعالج موضوع الديموقراطية استنادا إلى البحث المنهجي والتسلسل البحثي والقراءة المتأنية ، وختم دولته مداخلته الشفيفة ، موجزا ، أن منجز الدكتور العساف هذا هو بحث رصين في مفاهيم ومصطلحات الديمقراطية ، وكذا أدواتها كوسائل التواصل المجتمعي الحديث ، كالإنترنت ، والمدونات، والمواقع الإلكترونية ، لافتا في الآن ذاته إلى أن هذا الكتاب يعتبر مرجعا موثوقا للمهتمين والدارسين .
أما مداخلة معالي الدكتور جواد العناني فجاءت حتى ولكأنها بدأت من حيث انتهى الدكتور البخيت ، إذ أشار معاليه أولاً إلى الحاجة إلى مثل هذه المؤلف ، وبخاصة حين يأتي من باحث شاب لم يستعجل فترة البحث أو يقفز عن نقطة إلا بعد استيفاء جوانبها ، مبيناً ثانياً أنه جهد متواصل يتقصد إنضاج الفكر و إتاحته في كتاب ، ثم ناقش الأستاذ العناني ثالثاً علاقة الدين بالديموقراطية و سؤال العامة و موضوعة النخبة ، مستشهداً بالتجربة التركية بعد إذ عرّج على مفصل الإدارة السياسة في الإسلام وما أسماه بالإشتغال الديالكتيكي و تقريب المعنى إلى الأذهان ، ومما قاله الدكتور العناني أن رجوع العساف إلى المفكرين العرب و الأجانب و نقده لبعضهم أمثال سيد قطب و برهان غليون و محمد عايد الجابري و عزمي بشارة ، أعطاه بعداً علمياً ليعبر عن المفهوم / الديموقراطية بتداخل أضاف ديناميكية لهذا الموضوع ، و عبّر العناني عن اعجابه بوسائل الباحث في النقد والاستنتاج ناهيك بإضاءة عجلى على موضوعات النخبة والشعبوية و إشكالية الديموقراطية بين الطرفين ، مضيفاً أن الكتاب عالج موضوعاته بإحاطة فريدة في مرجعياته وإحالاته على التاريخ والواقع في آن معا ، متوقفا عند آراء متباينة لمفكرين وفلاسفة في أكثر من حقبة زمنية في حياة الأمم ، ومما أضاف الدكتور العناني وأفاض في مداخلته التي هي أيضا لم تخلُ من الإرتجال ، بأن كتاب العساف هذا قد قدم معلومات منصفة تقترب من حدود الموسوعة .. تحليلا ونقدا وتقييما موضوعيا .
أما الأكاديمي أستاذ الفلسفة الدكتور سلمان البدور والذي كان قد أشرف على رسالة الدكتوراة ، و عايش الكتاب مذ كان مجرد فكرة لدى مؤلفه الذي قرأ فلسفياً الديموقراطية بوصفها حكم الدهماء ، إذ الكتاب في الأصل كان هو أطروحة تقدم بها الدكتور العساف لنيل درجة الدكتوراة في حقل الفلسفة السياسية ، فقد وقف على كثير وقليل في مداخلته التي توزعت هي أيضا بين التدوين والإرتجال ، كأشكال الحكم التي جُربت في كثير من الدول ليستقر الأمر على الديموقراطية من حيث هي تجذب الناس إلى المشاركة في إدارة شؤون الدولة ، وقد صحح البدور مقولة أن الديموقراطية هي تنفيذ لإرادة الشعب مبيناً أن الإدارة لا يمكن تنفيذها بهذه السهولة ، إذ لها ثمن غالٍ جداً كونها جاءت ضد دكتاتورية الحكم موضحاً أو متسائلاً عن موضوعة الحكم إن كان ضرورة دينية أم ضرورة دنيوية ، بعد أن أشاد منصفا مشيدا و معجبا بإحتشادات الدكتور العساف و الذي صرح لي ، وبالمناسبة ، بأنه قد قرأ ما ينوف على (150) ألف صفحة أثناء تحضير أطروحته العلمية التي استوت كتابا فاره المستوى هو هذا الكتاب ، إلى ذلك أضاف الدكتور البدور أن التنمية الإقتصادية هي ضمانة للمسار الديمقراطي موضحا في الآن ذاته أن الكتاب قد عالج قضايا عديدة ، وذلك بإسهاب وتأنٍ كانا السبب في اعتباره (درة بين الكتب التي ناقشت موضوع الديمقراطية في العالمين العربي والإسلامي) .. للحديث بقية في المقال القادم .