ستبقى عاصفة (أليكسا) الأردنية في ذاكرة الأردنيين كلما هبت نسمة هواء.. لكننا حتماً لم نتعلم الدرس وسيبقى عنصر المفاجأة هو الأكثر حضوراً حتى ولو علمنا به يقيناً وقبل وقوعه بأيام..!!
ثلجة 2013 ستكون حتماً لحظة تأريخ للأردنيين حين سيقصون لأبنائهم في قصص المساء والسهرة حكاية الثلجة التي حبست الأردنيين وأنفاسهم، وأغلقت البلد وخيمت بظلالها الثقيلة على مختلف جوانب الحياة، وسيُحَدث آباء من سكان الرابية وخلدا وتلاع العلي والفحيص والكمالية والبيادر أبناءهم يوماً عن الاسبوع الذي قضوه في الظلام والبرد بعد انقطاع الكهرباء تماماً، وحتى سكان دابوق (المحظوظة) سيتندرون بالحكاية في يوم ما، وسيفرح أبناء الزرقاء والمفرق كلما تذكروا أنهم حصلوا على إجازات مجانية دون أن تتساقط عليهم ثلوج تعوق حياتهم.
أيام الثلجة، حين غطت الثلوج أطباق (الساتلايت) على الأسطح فغابت كل الشاشات فلجأنا إلى مخزوننا الاستراتيجي من أشرطة الفيديو نسترجع الأفلام والمسلسلات والمسرحيات الكوميدية على مدار الساعة، تمر الدقائق متثاقلة حتى مع مشاهدتنا المتواصلة للتلفزيون.
نتوجه الى النوافذ في كل لحظة، متأملين سُمكَ الثلج وحجم (الندف)، سائلين أنفسنا، متى سيتسنى لنا فتح طريق أمام هذه القوى العظمى البيضاء التي حلت علينا دون استئذان.
قضينا الثلجة، ونحن نأكل -أتذكرون- تناولنا كل مخزوننا الاستراتيجي الغذائي أيضاً، على غير العادة كنا نداوم على الأكل حتى دون إحساس بجوع أو رغبة، ولكن هذه هي أحوال الثلجة.
اكتشفنا هشاشة منظومة خدماتنا في خمس ساعات من الثلج، وأدركنا حتماً جهلنا بما يسمونه إدارة الأزمات، رحنا نرتجل، على قاعدة "دقة على الحافر ودقة على المسمار"، فلا أفلحنا في حافر ولا بمسمار.
الثلجة بكل قوتها وجبروتها، لم تزحزحنا عن سياق يومياتنا، فقررنا منذ اللحظة الأولى أن نتحرك، شعورنا بالحبس بين أربعة جدران، وعشرات أطباق الطعام والمحمصات وأفلام الفيديو، وورق اللعب لم يسعفنا لنبقى، بل رحنا نزيل أكوام الثلج و"دَحَلنا" في الشوارع، حين توقفت سياراتنا على الجوانب وأغلقنا جوانب الطرق ونحن نضحك.. أقفلنا المداخل على سيارات الدفاع المدني وأعقنا سبل الإنقاذ، وتيبسنا.. ونحن نضحك، ثم عدنا على أرجلنا ونحن نُعَرض أنفسنا وأبناءنا لكل أنواع الخطر والتزحلق والانفلونزا والكرات المتقاذفة في كل الاتجاهات، ونحن نضحك.
يومها، عرفنا كيف يتهرب مسؤولو الحكومة والمؤسسات المعنية بنا، من مسؤولياتهم، وكيف يتراشقون الاتهامات كما تراشقنا كرات الثلج بثقل دم لافت، ويؤكدون أن عنصر المفاجأة وقلة الإمكانات والمواطن هم أهم أسباب الفشل!!
ما زلنا نضحك.. بالمناسبة!!
في المناسبة البيضاء، قيل لنا عن وزراء احتفظوا بآليات ثقيلة أمام بيوتهم وآخرين اطلقوا تصريحات نارية وفريق ثالث ورابع اختفى ولم نر صورة وجهه، وجموع منهم تجشموا عناء اتصال واحد لجهة ما، لفتح الطرق والمعابر لهم ولجيرانهم ومحبيهم ولمن يتشدد لهم..!
لم نتعلم الدرس في الثلجة، وستُعاد الكَرة، وحتماً لن يُحَاسَب أحد على التقصير أو سوء الإدارة أو الإهمال أو التهاون أو التساهل أو التباطؤ في إعادة الخدمات للناس.. ولن نقيم التجربة..!!
لعلنا سننسى القصة مؤقتاً، حين يذوب الثلج وتنكشف عورة هشاشتنا، لكننا حتماً لن ننسى في الثلجة الأخيرة أننا رسبنا في الامتحان.. ونحن نضحك!!
(الغد)