المساواة بين البشر في المجال الاقتصادي غير واردة ولا يقول بها أحد، ولكن عدم المساواة بلغ حدوداً غير مقبولة تهدد الاستقرار الاجتماعي والدولي.
في أي مجتمع أغنياء وفقراء، ويقال أن 1% من أثرياء أميركا يحصلون على 40% من الدخل القومي. هذا الوضع الشاذ يشكل دعوة للاضطرابات إن لم يكن الثورات.
في هذه الحالة من مصلحة المحظوظين أن يقبلوا تحمل قدر من العبء المالي الذي يتطلبه رفع مستوى معيشة الطبقات الدنيا، وهو ما يجب أن تقوم به الموازنة المالية للدولة.
كما في المجتمعات كذلك في الدول، هناك دول متطورة وغنية وأخرى متخلفة وفقيرة، وتتركز الدول الغنية في الشمال والدول المتخلفة في الجنوب. ومرة أخرى من مصلحة دول الشمال المحظوظة أن تقدم إلى دول الجنوب المنكوبة ما يمكن أن يساعد في تقليص الفرق الهائل في مستوى الدخول، سواء بشكل مساعدات مالية وفنية أو نقل التكنولوجيا أو فتح الأسواق.
من قوانين الطبيعة السعي إلى التوازن، وما أن تبرز دولة قوية حتى تتفاهم وتتحالف دول ضعيفة نسبياً على موازنة القوة بالقوة. وعندما تمتلك إسرائيل القنبلة الذرية فهذه دعوة مفتوحة لدول الجوار لتحصل على القنبلة، بحيث يستعاد التوازن وتتأمن قوة الردع المتبادل.
دعونا نقارن بين مصر كنموذج لدول الجنوب النامية وألمانيا كنموذج لدول الشمال المتطورة، لتفهم حجم الفرق وعدم التوازن الاقتصادي:
إن عدد السكان في البلدين متقارب حوالي 80 مليون نسمة، ولكن الوضع الاقتصادي شديد التباعد، فحصة الفرد المصري من الدخل تقدر بحوالي 3290 دولار سنوياً، في حين تبلغ حصة الفرد الألماني 43420 دولار سنوياًُ أي أن حصة الفرد الألماني تعادل حصص 13 مصرياً أي أن إنتاجية ستة ملايين ألماني تعادل إنتاجية 80 مليون مصري!.
هل هناك طريقة للارتقاء بمصر إلى مستوى ألمانيا؟ نظرياً كل شيء ممكن، وهذه هي الصين التي كانت حصة الفرد فيها في ظل الشيوعية واحدة من أدنى الحصص بين شعوب الأرض، ولكنها في ظل الانفتاح على العالم تقترب بسرعة من المستوى العالمي. عملياً تقف في الطريق صعوبات عديدة يحتاج التعامل معها إلى وقت طويل، ولا ننسى أن أكثر من ثلث المصريين أميون.
الطريق طويل، ولكن أطول الطرق تبدأ بخطوة واحدة، والفقر والتخلف ليس قدراً واستعادة قدر من التوازن بين الاغنياء والفقراء من الأفراد والشعوب إذا لم يحدث سلمياً فالنتيجة هي الثورات والحروب.
(الرأي)