جرة الغاز بين المواطن وموازنة انتفاخ النفقات
عماد الحمود
06-02-2008 02:00 AM
لم تثمر النقاشات بين الحكومة و اللجنة المالية لمجلس النواب، في أجواء أربعينية البرد القارس، عن تحقيق معادلة “تنقذ” مشروع قانون الموازنة لعام 2008 من الإنفلات المالي، وخرجت برفع جزئي للغاز، وبزيادة خمسين ديناراً للموظفين ممن تقل رواتبهم عن 300 دينار، وبخمسة واربعين ديناراً لمن تزيد على هذا الحد، ولم تفلح في خفض النفقات العامة بمقدار مقبول.المطبلون إلى نادمين
من المؤكد أن مثل هذه الزيادة تُفرح موظفي القطاع العام، فهي كما ذُكر، ستكون زيادة على الأساسي، ما يجعلها مجزية في نظر كثيرين، لكنّ الحقيقة أنّها ستأتي بتضخّم عميق، وغلاء فاحش، سيقلب المطبّلين له إلى نادمين، بعد أن يكتشفوا أن القوة الشرائية لرواتبهم ستتناقص بمقدار 20 إلى 30 بالمئة، وسيحتاجون إلى تعويض ما لن يستطيعوا تأمينه، للمحافظة على مستوى معيشتهم حتى نهاية العام.
المتتبع لحراك الاسواق يسهل عليه التوصّل إلى حقيقة أن الأسعار “تستعد” للذهاب إلى قفزة كبيرة، ستصدم الحكومة والناس فوراً، بعد أن تترسّخ التسعيرة المحررة للمشتقات النفطية، وستكون الفاتحة بأسعار الغاز المنزلي، الذي سيصعد سعر الأنبوبة منه بمقدر76.5% فوراً، وسيحافظ على السعر الجديد “المخفّض” 7.500 دينار حتى 30 آذار المقبل، موعد إطلاق العنان لسياسة تحرير الأسواق، مما سيرفع سعر الأنبوبة إلى عشرة دنانير كاملة، أي خمسة عشر دولاراً اميركياً!
الغاز بالتنزيلات
اللطيف في الأمر، أن الحكومة ستوفّر أنبوبة الغاز بسعر مخفّض، أي أنها ستبيعها بتنزيلات، حيث تبلغ قيمة الحسم 2.5 دينار قبل أن يثب السعر 135% ، مما يعني أن “الدعم” سيتوقف إلى الأبد، وسيجد الموطن نفسه مجرداً من أي سلاح لمقارعة الإفقار القادم لا محالة، ما يطرح السؤال: ماذا تبقّى للناس، من خدمات صحة وأمن وتعليم، وهي أساسية لابسط صنوف الحياة، بعدما تقهقر دور الدولة، وإكتفت بالإشراف.
من المحزن أن ينقلب دعم الفقراء والمعوزين، إلى بدل مالي لن يغطي متطلبات الأسرة من غذاء وكساء ودواء وخدمات، فكثيراً ما يشدد المحتاج تفضيله الحصول على سلعة رخيصة، على زيادة في الدخل تقابلها قفزة أسعار، فهو قد كيّف أمره ورتب مصروفاته على نحو لا يمكنه إعادة رسم أولوياته، إذا كان مقترضاً لشراء بيت أو سيارة، فإذا ما إختلّت التوزيعة، تبعثر الترتيب، وإختلط، ممّا يجبره إلى التنازل عن المنزل أو السيارة أو التعليم، وهذا ما لا يحمد عقباه.
صدمة وأسى
وما يصدم، ويدعو إلى الأسى، ما خرج به تقرير اللجنة من تنزيل في النفقات الجارية بمقدار سبعين مليوناً و200 ألف دينار، بالإضافة إلى خمسين مليوناً من النفقات الطارئة لوزارة المالية أي 120 مليون دينار، وهي نحو 2.3% من الموازنة،بينما تعهدت اللجنة بـ 12% ، وهذة كلها أرقام هزيلة وباهتة، لا تشكل أي نوع من المراجعة الحقيقية لحالة إنفلات في الإنفاق، يشمل كل المناحي كالسفر والمياومات وعقود العمل والأعطيات والهبات، التي بلغت حداً لا يمكن الموازنة من تغطيته، وآخر الامثلة، ما وافق عليه رئيس الوزراء تخصيص راتب 1100 دينار لأعضاء مجلس أمانة عمان الــ68 وما أعلن عن تخصيص 200 دينار لكل نائب بدل مدير مكتب لإعداد الأبحاث، وتحضير الأسئلة لتوجيهها إلى الحكومة و100 دينار بدل مواصلات.
لقد أضيفت في السنوات الأخيرة أكثر من خمس هيئات تنظيم لقطاعات جديدة لها وزارات، وإنشئت مؤسسات ومراكز وشركات تدار بعيداً عن رقابة ديوان المحاسبة، الذي إنحسر دوره، وتبدّدت جهوده في تجاوزات باتت “عادية”، في حين تنطلق المعلومات، وبعض الإشاعات، عن تجاوزات ومخالفات بعضها أحيل إلى مكافحة الفساد، وتنتظر نتائج التحقيقات.
يستخلص من كلّ ذلك، أن الحكومة يثقل موازنتها دعم غاز التدفئة، ولا يضيرها إنتفاخ النفقات العامة، فهي تحجم عن إعلان سعر شراء برميل النفط، ومتمسّكة بعدم كشف حساباته، ولا تريد أن تتخلّى عن جني المال من بيع المحروقات، وستسعى إلى فرض ضرائب على بيع المشتقات، بعد تحرير السوق، في حين أنها إستعجلت الخصخصة وتسرّعت في بيع شركات الصناعات الإستخراجية، متسبّبة بخسائر وطنية، لا يمكن تعويضها، فضلاً عن تنازلها عن قطاع الإتصالات بثمن زهيد.
عن اللويبدة وكتب قبل اقرار الاعيان قانون الموازنة.