لماذا لم يرتقي البحث العلمي في الأردن لمستوى الأبحاث في العالم المتقدم؟ هل هو ضعف التمويل ام ضعف التوجيه ام كليهما معا.
هل معظم الذين يقومون بالابحاث من اساتذة الجامعات يسعون وراء ترقيتهم فقط الى درجات اعلى ثم يتوقفون عن البحث وهل تشجع المدارس الطلبة وتدربهم على البحث منذ الصغر,ولماذا لا ننظر للعالم الاخر كيف يعمل؟
يؤثر النظام السياسي في العالم العربي على الابحاث تأثيرا بالغا بممارساته على المناخ الفكري , ويتوقف ذلك على نوع النظام ذاته , حيث ان البحث العلمي بحاجة الى وجود الحرية الاكاديمية ويتطلب تنوع الاداء واختلافه وامكانية التعبير عن الاختلاف حتى مع ممثلي السلطة السياسية .
أما اذا انتفى هذا المناخ الليبرالي الذي يؤمن بالتعددية ,فهناك احتمال كبير ان تظل جهود البحث العلمي تحت تاثير الخوف , وخوفا من القهر الذي قد تمارسه السلطة السياسية , كما ان اتجاهات النخبة السياسية الحاكمة ازاء العلم – سواء من ناحية تقديره باعتباره قيمة عليا في ذاته من ناحية ووسيلة ناجعة من ناحية اخرى للتصدي للمشكلات التي يجابها المجتمع – ستحدد الى حد كبير حجم الاهتمام الذي سيولى للمؤسسات العلمية ودرجة التركيز على تأهيل الافراد العلميين , ومقدار التمويل الذي سيخصص للبحث العلمي .
كما يقع اللوم ايضا على العلماء انفسهم , لماذا يتبعون القرار السياسي فيجب ان يكون قرار البحث العلمي قرارهم سواء في البحوث الاجتماعية والسياسية او في مجال العلوم الطبيعية وان يكون للبحث العلمي اختصاصات واخلاقيات واتجاهات علمية فقط نابعة من وجدانهم وضميرهم.
يتوقف البحث العلمي ايضا على نوعية المؤسسات التي أنشئت لادارة البحث العلمي , وكفاءة القائمين عليها , وشمول نظرتهم للبحث العلمي وحجم الميزانيات التي تخصص
لهم , وهذا لا يتم الا بدعم وتفهم القيادة السياسية ومدى اهتمامها ورغبتها في دعم البحث العلمي.
لو أخذنا امريكا مثالا من الدول المتقدمة لوجدنا ان سر قوتها هي جامعاتها ومراكز أبحاثها ويكمن هذا السر في السبق الى النجاح بتطبيق الاكتشافات العلمية التي امكن تطبيقها في مجا لات كثيرة , كالبحوث الطبية وثورة الانترنت وتقنيات التواصل وتطبيقاتها وتوظيفها لرفع القدرات على الاستكشاف ثم التطبيق .
مراكز الابحاث التي تقوم بهذا تتمتع بكامل الاستقلالية التي تتمتع بها ايضا الجامعات الامريكية
بالاضافة للاموال الضخمة المخصصة للجامعات ولمراكز الابحاث ,كما ان انظمة الضرائب المخصصة تعفي جميع الاموال التي يتبرع بها الاشخاص والشركات للجامعات او للابحاث العلمية.
بحسب احصاءات عام 2012 فانه يوجد في امريكا نحو 2800جامعة ومعهد مؤهلة لمنح شهادات البكالوريوس والليسانس ومن هذا العدد نحو 500 جامعة ومعهد مؤهلة لمنح شهادات الماجستير والدكتوراة ومنها نحو 300 جامعة جيدة ونحو 200متفوقة في حقل واحد من حقول العلم وهناك ما يزيد على 20 جامعة متفوقة في كل الاختصاصات, كمعهد ماسشوتس في بوسطن ومعهد كاليفورنيا في باسادونيا ,تكاد تكون متفوقة في كل الاختصاصات مع انها تسمى معاهد لاسباب تاريخية.
الجامعات والمعاهد هي أماكن ولادة الاكتشافات وورش الاختراعات وهي منتشرة في جميع أنحاء امريكا ,فهناك مراكز للمعرفة كجامعة شيكاغو وجامعة ميتشغن وجامعة وسيكنسن وجامعة مانيسوتا وبوردو في انديانا بل وجامعة الينوي ,كما هناك جامعة ستانفورد ومعهد كاليفورنيا وجامعة بركلي وغيرها ,بالاضافة الى هارفرد ,م اي تي وييل وبرنستون وكولومبيا واخرين .
الاقتصاد الامريكي يعتمد على المعرفة المادية التي تأتي من خلال مراكز العلم والبحوث وتأتي حرية الاسواق التي تكافئ المبدعين ,كما انهم بسياستهم يستقطبون المبدعين من العالم كله ويأخذونهم ويوظفونهم لمصالحهم وهم بلد جاذب للعلم والعلماء.
ومن الجدير بالذكر ان العراق بدأ ثورة علمية كبيرة وبدأ تدريب العلماء وتأهيلهم واعادتهم لوطنهم وقاموا بالعديد من التطبيقات في مجال العلوم والتصنيع العسكري والمدني وكادت تقترب من مصاف الدول المتقد مة, لولا المؤامرات التي حيكت ضدهم باعتبارهم تجاوزوا الخط الاحمر المرسوم لهم ودمر ما قاموا به وتمت ملاحقة العلماء لتصفيتهم بالقتل او التهجير او الاستقطاب حتى يعودون للعصر الحجري
بهذه المناسبة اود ان اذكر ما يلي:
تفرج بريطانيا عن بعض الوثائق السرية التي لديها بعد مرور زمن كاف, وتوجد وثيقة أفرجت عنها تفيد بأنه في عام 1907 م دعا رئيس الوزراء البريطاني وقتها السير كامبل الى اجتماع سري يشمل 7 دول استعمارية اوروبية , ويطالبهم بان ينتبهوا لاعدائهم ,فقيل له ومن هم اعداؤنا, فقال العالم العربي حيث انهم يتحدون بالجغرافيا والتاريخ ويتكلمون لغة واحدة ويدين معظمهم بالاسلام ,فان تركناهم فانهم سيشكلون خطرا علينا لذا يجب ان نعمل على ان يبقوا متأخرين ومتخلفين ونزرع الفتنة بينهم –على طريقة فرق تسد – ليبقوامشتتين ومتفرقين ونزرع دولة بينهم ليكون ولاؤها لاوروبا وليس لهم وهذا قبل وعد بلفور بعشر سنوات .
هذا مايتم الان فعلا فاننا نطبق رغبات المستعمرين ولا نحاول ان نتوحد او نرقى بابحاثنا العلمية حتى لا نصل لمستواهم مع وجود الامكانات الهائلة لدينا من موارد طبيعية وبشرية بحيث تشكل خطرا عليهم , فالانتباه لمصالحنا والابتعاد عن رغباتهم التي هي في غير مصلحتنا مدعاة لتقدمنا وتطورنا .
وبالتالي نقول ان القوة الاقتصادية والعسكرية والنفوذ السياسي , يعتمد على ما تولده الجامعات ومراكز الابحاث , حيث الموارد الطبيعية تنضب او يستغنى عنها, اما مولدات المعرفة والتطوير من الابحاث العلمية فانه نهر يزيد تدفقه مع الزمن ويبقى اساسا لتقدم الشعوب ورفعة شأنهم وتحسن حالاتهم وتقدمهم .